/ صفحه 173 /
وكانت تأخذ في أحكامها وتشريعاتها، بمذهب الحنفية، وكان كل مشروع من مشروعات قوانينها يخرج على أساس هذا المذهب غالباً، أو على أساس غيره من المذاهب الإسلامية، إذا مست الحاجة إلى ذلك، ومن المعروف أن الشريعة الإسلامية صالحة لمسايرة الإصلاح والرقي، وأن الله لم يجعلها كلها نصوصاً، وإنما جعل شطراً عظيماً منها، بل أعظم شطريها، راجعاً إلى الاجتهاد وتحري المصلحة في دائرة القواعد العامة التي ترشد إليها النصوص القاطعة، والأصول المحكمة، وقد كان ذلك من أسباب الخصوبة والمرونة التي اشتهر بها الفقه الاسلامي، وأصبحنا نرى في كثير من المسائل التي تعرض للبحث على بساط هذا الفقه، سائر الاحتمالات التي يحكم بها العقل، وقد قال بكل احتمال فقيه مجتهد له دليله وحجته، حتى ليصعب أن نرى حكماً من الأحكام العملية ليس له إمام يقول به من بين فقهاء المسلمين.
كانت الدولة العثمانية تسير في تشريعاتها على هذا الأساس ـ ولا أقصد طبعاً أنها لم تكن تشذ عنه في شئ ما، ولكنه كان هو الأصل والكثير الغالب ـ وكانت مصر تبعاً لها، بل كانت من قبلها، تجري على ذلك في تشريعاتها وأحكامها وكان فيها قاض لكل مذهب من المذاهب يحكم بما أنزل الله، وقد ظلت على ذلك رغم تقلب حكوماتها، والدول المسيطرة عليها، لا يستطيع أحد أن يدعي خروجها على الشريعة أو الفصل فيها بين الدين والدولة، وإن كانوا في بعض الأحيان يخالفون أحكام الإسلام، ويقرّون ما لا يقره الإسلام، حتى كان عهد النفوذ الأوربي، فعمل المستعمرون والمحتلون على إصدار بعض القوانين المستمدة من قوانينهم في الأمور المدنية والاقتصادية والجنائية، ليست كلها مما يخالف الشريعة الإسلامية، وليست مبنية على تقرر مبدأ الخروج عليها، والانفلات منها، وبقيت مع ذلك أمور كثيرة على حالها من الصلة الوثيقة بالفقه الاسلامي، كالوقف، والزواج، والطلاق والميراث، والوصية، وغير ذلك من الأمور التي اصطُلح فيما بعد على تسميتها " بالأحوال الشخصية " واُفردت لها محاكم خاصة.
ولما قامت الحركة الوطنية لم يكن من أغراضها التخلص من أحكام الشريعة