/ صفحه 166/
وفي محاولة تعطيل كل التصرفات التي تمت على يد هؤلاء وتصور آثارها في الحياة المصرية الاجتماعية والاقتصادية، ومصر ـ كما تعلم ـ كلها كانت موزعة على طريق الاقطاع من بيت المال لهؤلاء المماليك، ثم هم يعطونها للفلاحين مزارعة أو مقاطعة أو غير ذلك.
وقد ذكر الأسعد بن ممَّاتي في كتابه: قوانين الدواوين، كشفاً تفصيليا للإقطاعات استغرق جميع الاراضي في مصر، فكيف يكون الحال لو طبق هذا الحكم الفقهي طوال عهد المماليك من الناحية الاقتصادية، والتصرفات الناتجة عن مثل هؤلاء المماليك، في الوقت الذي كانت مصر محاطة بأعداء لها من جميع النواحي.
وعند ما تحرك المظفر قطز لقتال التتار صقَّع الأملاك وقوَّمها، وأخذ زكاتها من أربابها، وأخذ من كل واحد من الناس من جميع أهل اقليم مصر دينارا، وأخذ من الترك الأهلية ثلثها ـ كما يقول المقريزي في كتابه السلوك ـ فلما تولى الظاهر بيبرس أبطل جميع ذلك لثورة العلماء وغضب الشعب، فكان جملة ما أبطله ستمائة ألف دينار، وكانت هذه سنة أغلب المماليك الاقتصادية، مما كان يؤدي إلى إثقال كاهل الشعب بالضرائب والمكوس، وكانوا يلجئون إلى ترك الأرض، وإغلاق الحوانيت، وكان لذلك أثر بيِّن في الاسعار، وكان بدوره يؤدي إلى هبوط مستمر في قيمة النقد، وقد ذكر المقريزي في كتاب السلوك صورة تقليد الخليفة المستنصر للظاهر، وقد جاء في ذلك التقليد بعد الديباجة … ومما تؤمرون به أن يمحى ما أحدث من سيء السنن وجُدِّد من المظالم التي هي من أعظم المحن، وأن يشتري بأبطالها المحامد، فإن المحامد رخيصة بأغلى ثمن: المظالم إذن كانت تتجدد في صورة أو أخرى، وكان الشعب يئن مرة وأخرى.
ولم يكن ذلك النظام الاقطاعي الذي ساد مصر وساد أوروبا بأسرها في العصور الوسطى ليسمح ببصيص من النور للطبقات العامة في الشعب فهم محصورون