/ صفحه 165/
فإن أعياهم حلها بطريق اللطف والملاينة لجئوا إلى حلها من طريق آخر عملي نافع لهم ولا يغضب العامة، كما حصل من الظاهر بيبرس، فقد سأل مرة القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز في أمر فامتنع من الدخول فيه، فقيل له: مُر نائبك الحنفي ـ وكان القاضي هو الشافعي يستنيب من شاء من المذاهب الثلاثة ـ فامتنع من ذلك، فلجأ الظاهر إلى تعدد القضاة الثلاثة من كل مذهب قاض، في القاهرة، وفي دمشق.
هذه صورة عجلى مما كان الفقهاء يقعون تحت تأثير ظروفه، وما من شك في أن هذه الأشياء ما كانت تمر دون أن تترك آثاراً واضحة في الفقه الإسلامي فقد حاول العز أن يتصدي لبيع عظماء الماليك، وذكر أنهم لم تثبت حريتهم وأن حكم الرق باق عليهم، فبلغهم ذلك منظم الخطب ـ كما يقول السيوطي في حسن المحاضرة ـ والشيخ لا يصحح لهم بيعاً ولا شراء ولا نكاحاً، وتعطلت مصالحهم، وكان من جملتهم نائب السلطة فاستشاط غضباً، فاجتمعوا وأرسلوا إليه، فقال: نعقد لكم مجلساً وننادي عليكم لبيت مال المسلمين، فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه فلم يرجع، فأرسل إليه نائب السلطة بالملاطفة، فلم يفد فيه، فانزعج النائب وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا، ونحن ملوك الأرض، والله لأضربنه بسيفي هذا، فركب بنفسه في جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ، والسيف مسلول في يده، فطرق الباب فخرج ولد الشيخ، فرأى من نائب السلطنة ما رأى وشرح له الحال، فما اكترث لذلك، وقال: يا ولدي، أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، ثم خرج، فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب، وسقط السيف منها، وأرعدت مفاصله فبكى، وسأل الشيخ ان يدعو له، وقال: يا سيدي ايش تعمل ؟ قال: أنادي عليكم وأبيعكم، قال: ففيم تصرف ثمننا، قال: في صالح المسلمين، قال، من يقبضه، قال: أنا، فتم له ما اراد ونادى على عظمائهم واحداً واحداً، وغالى في ثمنهم، ولم يبعهم إلا بالثمن الوافي، وقبضه وصرفه في وجوه الخير.
تأمل هذه العبارة لتعرف رأي الشيخ الفقهي في الحرية وثبوتها والاعتماد على الظاهر أو تركه، وفي قيام القاضي بقبض مال بيت المال وإنفاقه،