/ صفحه 167/
في الاقطاعات يعملون فيها ولا يصل لهم شئ من نتائج ما كانوا يعملون، بل كانوا كما يقول القائلا:
كدود كدود القز ينسج دائماً ****** ويهلك غمَّا وسط ما هو ناسجه
ما عليهم إلا أن يعملوا، ثم يعطوا الأموال لهؤلاء الموظفين الذين كانوا يؤلفون سلما مدرجاً يبدأ بالناظر وينتهي والخازن والحاشر، وقد أوضح كل هذه الوظائف صاحب قوانين الدواوين، فكان على الفقهاء إذن أن يوجدوا حلولا شرعية لهذه الأحوال، وأن يحدوا من طغيان هذه المظالم، وكثيراً ما كان بعض الفقهاء يلجأ إلى التشديد حتى في المباح دفعاً للفساد بالقدر الممكن، فقد أفتى جمهرة العلماء ـ كما قال في المستصفى ـ بالرد على الزوجين لفساد بيت المال، ولأن الظلمة لا يصرفونه إلى مصرفه، وقال ابن عابدين بعد نقل هذه العبارة، فمن أمكنه الافتاء بذلك في زماننا فليفت بدون حول ولا قوة الا بالله.
وقد كان لهم العذر في التشديد في الضرائب والاموال التي كانت تجبى، وقد ذكر المقريزي في الخطط نوعاً من الرسوم التي كانت تتقاضى، فقال عن واحد منها: (إنها كانت جهة تتعلق بالولاة والمقدمين فيجبيها المذكورون من عرفاء الاسواق وبيت (الفواحش) ولهذه الجهة ضامن، وتحت يده عدة صبيان، وعليها جند مستقطعون وأمراء وغيرهم، وكانت تشتمل على ظلم شنيع، وفساد قبيح، وهتك قوم مستورين، وهجم بيوت أكثر الناس).
هذا حال الفقهاء في الزكاة والمواريث والضرائب، أما أمرهم في نظام الوقف والاجارة والإقطاع، فكان أوسع مدى من ذلك، فقد كانوا في الأمور الأولى ينظرون إلى الشعب بدافع الرغبة في التخفيف عليه، وتفريج الضائقة عنه، أما في الأمور الاخيرة فقد فتحت لهم هذه الاوقاف والافتنان فيها وفي إشهاداتها مادة دسمة للأبحاث الفقهية وتطبيق قواعد الأصول عليها وبدأت تشعر بنوع جديد من التقنين والتشريع، وبدأت تحس بألفاظ جديدة ومصطلحات جديدة وأساليب جديدة في التوثيق واستتبع ذلك النضال بين الفقهاء، كل يؤيد رأيه في الأمر ويستوحي