/ صفحه 164/
غاية المقت من السلطان وكاد يبطش به، وسبب ذلك أنه حكم في بعض الوقائع بما اعترض عليه في ذلك، فتغير خاطر السلطان عليه، ولم يقبل له عذراً، وحط على قاضي القضاة الشافعي كمال الدين بن الطويل بسببه، وكان مجلساً مهولاً).
وهم بهذا التصرف يرجعون لطبيعتهم من حب الغلب والاستبداد بالأمر مهما حاولوا ستر ذلك بالتظاهر بحب الشرع وخدمته، وخدمة الدين وحملته، ولم يكن موقف الخليفة الذي كان تستمد منه في الظاهر سلطة هذه التولية، والأذن في القضاء والأوقاف لتغني فتيلا، فلم يكن هو أسعد حالا من الفقهاء، ولم يكن يملك من الأمر من شئ، وكانت باسمه تؤخذ الدنيا جميعاً، وما من ذاك شئ في يديه، بل إن أحد خلفاء بني العباس في مصر نفي إلى الصعيد بسبب كلمة قالها.
وكان بعض الفقهاء في بعض الأحايين لا يرون من دين الله أن يسكتوا على ما لا يتفق وذلك الدين كما روى أن عزالدين بن عبد السلام ترك دمشق لأن سلطانها الصالح إسماعيل استعان بالافرنج وأعطاهم مدينة صيدا وقلعة الشقيف فأنكر الشيخ عزالدين عليه ذلك وترك الدعاء له في الخطبة وساعده في ذلك الشيخ جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب المالكي، فغضب السلطان منهما فخرجا إلى الديار المصرية، فأرسل السلطان إلى الشيخ عزالدين وهو في الطريق قاصداً يتلطف به في العود إلى دمشق، فاجتمع به ولاينه، وقال له: ما نريد منك شيئاً إلا أن تنكسر للسطان وتقبل يده لا غير. فقال الشيخ له: يا مسكين، ما أرضاه يقبل يدي، فضلا عن أن أقبل يده، يا قوم أنتم في واد ونحن في واد، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به.
وظل الشيخ عزالدين بن عبد السلام يناصب عظماء الماليك العداء لا لغرض شخصي يتعلق به، بل لأنه كان يرى وقفته هذه خالصة لله وحده، وكان يرى فيها نوعاً من الدفاع عن تلك الطوائف المستضعفة التي ما كان تجد لها نصيراً إلا بين العلماء الأحرار المخلصين الجرآء فيما يتعلق بدين الله.
وكان بعض سلاطين المماليك يضيقون ذرعاً بما يبديه بعض العلماء من مواقف