/ صفحه 124 /
في علاقة الفرد بالمجتمع، في علاقة الأمم بعضها ببعض، في طريقة التشريع، إلى غير ذلك من سائر الشئون، وقد جاء الإسلام فأدرك ان العالم لا يصلح بواحدة من هاتين الخطتين، وأنهما منافيتان للفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية، منافيتان لسنن الاجتماع التي تقضي بالوقوف عند الحد الوسط في كل شئ لضمان البقاء والصلاح، وعدم التعرض للإنحلال والفساد، أدرك الإسلام ذلك فجاءت شريعته وسطا لا إفراط فيها ولا تفريط، ووقعت أحكامها ومبادئها مهما تنوعت وتشعبت في هذه الدائرة التي رسمها كتاب الله عزوجل (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس). (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
هي في العقيدة وسط بين الذين ينكرون الاله، ويزعمون أن هذه الحياة الدنيا ليست الا وليدة المصادفات التفاعلات المادية (ان هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر) وبين الذين يقولون بالتعدد، ويتخذون مع الله أنداداً، تقرر في صراحة وجلاء، أن الله اله واحد، وأنه المعبود الذي لا يعبد سواه، (قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد)، (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون)، (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
وهي في الاخلاق وسط بين الذين يتحللون من كل الفضائل والذين يشتطون في تصور الفضيلة التزام طرف التشديد فيها: تقرر أن الفضيلة وسط بين رذيلتين: لا جبن ولا تهور، لا بخل ولا تبذير، لا استنكبار ولا استخذاء، لا جزع ولا استكانة. وأساس ذلك كله قوله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً).
وهي في صلة الإنسان بالحياة وسط بين المادية البحته، التي لا تعرف شيئاً