/ صفحه 123 /
(إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم). (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون).
التعاون ليس استعانة بغير الله:
وليس في هذا ما ينافي التعاون بين الناس، وقد طلبه الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فإن هذا التعاون في دائرة الحدود البشرية لا يخرج عنها، ولهذا لا يأمر الدين ولا يرضى بطلب المعونة الا ممن يملكها، فلا يرضى بالتوجه في طلب الحاجات الى الاموات، ولا يرضى باستكشاف الغيب ممن يدعون علم الغيب، ولا يجعل بين خلقه وبينه وسطاء في طلب المغفرة والرضوان.
هذا هو التوحيد الخالص، وهو سبيل المؤمنين كما رسم الله: (فهؤلاء الذين يستعينون بأصحاب الاضرحة والقبور على قضاء حوائجهم، وتيسير أمورهم، وشفاء امراضهم، ونماء حرثهم وزرعهم، وهلاك أعدائهم، وغير ذلك من المصالح، هم عن سبيل التوحيد ناكبون، وعن ذكر الله معرضون).
(إهدنا الصراط المستقيم).
الصراط المستقيم: هو الطريق الذي لا عوج فيه ولا انحراف، وقد كثر كلام المفسرين في المراد بالصراط المستقيم الذي جعل الله طلب الهداية إليه في هذه السورة أول دعوة علمها الإنسان، وأجمع ما نرى في ذلك أن الصراط المستقيم هو جملة ما يوصل الناس إلى سعادة الدنيا والاخرة من عقائد وآداب وأحكام من جهتي العلم والعمل، وهو سبيل الإسلام الذي ختم الله به الرسالات السماوية، وجعل القرآن دستوره الشامل، ووكل إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) تبليغه وبيانه.
وحسب القارئ في معرفة أن الإسلام هو الصراط المستقيم، وأنه لذلك كان الشريعة الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان، أن يتتبع حالة العالم في عصوره المتتابعة قبله، فإنه سيجد أن العالم كان يتردد بين طرفين من أفراط وتفريط، وكان ذلك شأنه في كل شئ: في العقائد، في الاخلاق، في صلة الإنسان بالحياة،