/ صفحه 122 /
معنى العبادة:
ومعنى العبادة خضوع لا يحد، لعظمة لا تحد، وهي تدل على أقصى غايات التذلل القلبي، والحب النفسي، والفناء في جلال المعبود وجماله فناءً لا يدانيه فناء، وقد يحب الإنسان ويتفانى في عشق محبوبه، ويخضع ويتفانى في الخضوع، ويستعذب العذاب في سبيل هذا المحبوب، ولكنه مهما بلغ لا يسمي عمله (عبادة) فان العبادة هي ما كانت أثراً لشعور بسلطان لا يحد، ولا يدرك كنهه، ولا تحصى نعمته.
وإن صور العبادات متى خلت عن هذا الروح، ولم تكن مبنية على ذلك الشعور. لم تكن واقعة موقعها، ولا مقبولة عند الله، ولا مثمرة ثمرتها من رضى الله.
وإذا كانت العبادة هي الفناء في الله وحده، فهو صاحب الحق الاوحد في رسم صورها، وتشريع أحكامها.
وليس لأحد من العابدين أن يضع أو يزيد أو ينقص فيما رسم الله، كما أنه لا ينبغي لأحد أن يتوجه بما رسم الله لعبادته إلى أحد من خلقه. فلا ركوع الا لله ولا سجود الا لله، ولا طواف الا ببيت الله، ولا نذر الا الله، ولا خضوع ولا تذلل الا لله.
والاستعانة طلب المعونة، بعد بذل الوسع في العمل، والعاقل لا يطلب المعونة الا من القادر عليها، والله هو القادر، وقدرته شاملة كاملة لا يعجزه شئ ولا يخرج عن سلطانه شئ، فهو الذي يهيئ الاسباب، وهو الذي يزيل الموانع، وهو الذي يعطي إن شاء ويمنع إن شاء.
وهي شقيقة العبادة، فلا تكون الا لله، ولا ترجى مطلقة عامة شاملة الا من الله، وفي ذلك سمو بالمؤمنين عن مواطن الذلة والاحتياج لبشر أمثالهم، ارباب قوى مستعارة محدودة، وهم في قواهم محتاجون كاحيتاجهم، مستعينون كاستعانتهم،