/ صفحه 121 /
الذي أراده لهذا الكون، ورسم لهم حدود م ا يرضيه وما يغضبه، وأوجب على الناس في هذه الحدود طاعة الملوك والمالكين، وانفرد في يوم الدين بالملك والحكم والادانة والجزاء، لا يشاركه في ذلك أحد ممن خلق، ولا يشفع أحد إلا لمن ارتضى، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه، ويومئذ توضع موازين الدنيا، وترفع موازين الاخرة (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).
وفي هذا تربية أخرى للعبد، فإنه إذا آمن بأن هناك يوماً يظهر فيه إحسان المحسن، وإساءة المسئ، وينال كل منهما جزاءه دون محاباة ولا ظلم، وأن زمام الحكم في ذلك اليوم العظيم بيد العليم الخبير الذي لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء، تكون عند خلق المراقبة، وتوقع المحاسبة، فكان ذلك أعظم سبيل لصلاحه وصلاح كل ما يعمل.
(إياك نعبد وإياك نستعين).
كان ما تقدم من الآيات الثلاث تقريراً للحقيقة في جانب الربوبية، وعظمتها، وعموم سلطانها، وسعة رحمتها، تقريراً لطرفي المبدأ والمعاد، وأن ربوبية الله قد شملتهما وانفردت بالرحمة والرحمانية فيهما، وقد جاءت هذه الآية تقريراً لجانب العبودية والاستعانة، وبينت أن الذي يجدر بالعباد أن يتجهوا إليه وحده بالخضوع والخشوع والاعتراف بالحاجة إليه هوذلك الذي تجلت أوصافه، ووضحت عظمته، وصار ظاهراً في كل شئ حتى لكأنه يُرى ويُتوجه إليه بالخطاب (إياك نعبد وإياك نستعين).
وبذلك يتجلى ـ مع ما تقدم من الصفات ـ معنى جديد هو: معنى قرب الله لعباده، وشهوده كل أحوالهم، وأنه أقرب إليهم من حبل الوريد ـ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر الا هو معهم أينما كانوا، ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ان الله بكل شئ عليم).