/ صفحه 120 /
وللإتيان بهذين الاسمين الكريمين بعد ذكر ربوبية الله للعالمين مغزى عظيم، ذلك بأن الله بين بهما أن ربوبيته وملكه للعالم ليس مصدرها جبروته وقهره وهو القهار الجبار، ولكن مصدرها عموم رحمته وشمول إحسانه لجميع خلقه فإنهم بالرحمة يوجدون، وبالرحمة يتصرفون، وبالرحمة يرزقون، وعلى الرحمة يعتمدون، وبالرحمة يوم القيامة يبعثون ويسألون، فإذا استقر هذا المعنى في نفوس العباد، وأن الله يتحبب إليهم بصفة الرحمة والإحسان، كان ذلك أبعث لإقبالهم عليه بصدور مطمئنة، وقلوب مؤمنة، ونحن إذا تتبعنا آيات القرآن وجدنا أن رحمة الله بعباده لها مظهران: مظهر التربية الخلقية ومظهر التربية التشريعية، والحياة كلها تقوم على المادة والروح، وبهذا يتبين معنى قوله تعالى (ورحمتي وسعت كل شئ).
وإذا كان الحمد لله، والثناء عليه، مرجعهما واساسُهما هو تربيته للعالم، وإحسانه اليه، فما أجدر المؤمن أن يتخلق بخلق الله، وأن يلتمس الحمد والثناء والرضى من الله عن هذا السبيل الكريم. فمن آتاه الله حق التربية، وحمَّله مسئوليتها من إمام، أو أب، أو معلم، أو زوجة، أو كذا، أو كذا ـ وكلكم راع ومسئول عن رعيته ـ فإن عليه أن ينظر إلى ما كلف رعايته على أنه أمانة عنده من المربي الاعظم، استخلفه في القيام بها، والاحسان فيها، وليمض فيها على سنن الرحمة والاحسان لا الجبروت والطغيان، فإن ذلك أدنى إلى أن يصلح الله به، ويصلح له، وأقرب أن تناله رحمة الله وإحسانه (الراحمون يرحمهم الله). (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). (إن رحمة الله قريب من المحسنين).
تفرد الله بالمِلك والمُلك في يوم الجزاء:
(مالك يوم الدين) أو (ملك يوم الدين).
قراءتان يدل مجموعهما على أن المِلك والمُلك في هذا اليوم العظيم ـ يوم الدين الجزاء والحساب ـ لله وحده، وقد جاء في القرآن: (يوم الا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله) وجاء: (لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار) وقد خوّل الله في الدنيا لبعض خلقه شيئاً من مظاهر المِلك أو المُلك تنفيذاً لحكمته ونظامه