/ صفحه 119 /
واطمئنان وطاعة وخضوع، وقد أجملت الفاتحة ـ كما قلنا ـ جميع ما فصل في هذه السور بكلمة (رب العالمين).
(الرحمن الرحيم)
هذه هي الآية الثانية من آيات سورة الفاتحة، تشتمل على اسمين كريمين من أسماء الله الحسنى: الرحمن الرحيم. وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هذين الاسمين، فبينما يرى فريق أن الرحمن هو المنعم بجلائل النعم، والرحيم هو المنعم بدقائقها، يرى فريق آخر أن الرحمن هو المنعم على جميع الخلق، وأن الرحيم هو المنعم على المؤمنين خاصة، ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد، وأن الثاني تأكيد للأول.
ورأى بعض المتأخرين أن الوصفين متغايران تمام التغاير، فالرحمن صفة ذاتية هي مبدا الرحمة والإحسان، والرحيم صفة فعل تدل على وصول الرحمة والاحسان وتعديهما إلى المنعم عليه، ويدل على هذا أن الرحمن لم تذكر في القرآن الا مجريا عليها الصفات كما هو شأن أسماء الذات. (قل ادعوا الله أو أدعوا الرحمن) (لمن يكفر بالرحمن) (أن دعوا للرحمن ولدا) (إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن) (الرحمن علم القرآن) الرحمن على العرش استوى). وهكذا.
أما الرحيم، فقد كثير في القرآن استعمالها وصفا فعليا، وجاءت بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) (وكان بالمؤمنين رحيما) (وهو الغفور الرحيم) كما جاءت الرحمة كثيراً على هذا الاسلوب (ورحمتي وسعت كل شئ) (ينشر لكم ربكم من رحمته) ولم يرد في القرآن تعبير ما (برحمانية الله).
وهذا الرأي في نظرنا هو اقوى الآراء، مما ذكرنا ومما لم نذكر، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغا أن يقال في القرآن، إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها.