/ صفحه 118 /
السموات والارض لله علماً وتصريفاً، وتعرض للساعة وعلم الغيب على صور شتى، ثم تعرض لقصص بعض الانبياء من جهة ما مكن الله لهم في الار من تسخير بعض الكائنات لداود وسليمان، وتذكر سبأ ومساكنهم وما كان لهم من متاع، وما أصابهم حين أعرضوا عن دعوة الحق، وتعرض للرزق في مواضع متعددة، ثم تختم ببيان عاقبة من ضلوا عن الصراط المستقيم، ولم يُعملوا عقولهم في تلك الآيات الكونية (وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شكُ مريب).
ونرى سورة فاطر تبدأ بقوله تعالى (الحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث رورباع يزيد في الخلق ما يشاء ان الله على كل شئ قدير، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم). فتجمع كما جمعت سورة الفاتحة نوعي التربية ولكن على تفصيل، فتذكر خلق السموات والأرض، وتذكر رسل الوحي من الملائكة، وأن الله مصدر الرحمة، بيده إمساكها وإرسالها: رحمةٌ بالخلق، ورحمةٌ بالتشريع، ثم تسير في ذكر بعض ظواهر الكائنات، من ارسال الريح، وإثارة السحاب، وخلق الإنسان من تراب وتصريف الله لليل والنهار، والشمس والقمر، واختلاف الناس والدواب في الألوان، ثم تذكر الذين يتلون كتاب الله وينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية، وتبين أن ما أوحي الله به إلى محمد هو الحق المصدِّق لما بين يديه، وأنه تعالى يورث الكتاب من اصطفاهم من عباده، وهكذا تتردد بين التربية الخلقية والتشريعية تفصيلاً بعد تفصيل.
هذه سور الحمد في القرآن، وهذا هو أسلوبها وهي كلها مكية نزلت في وقت تأسيس الدعوة إلى التوحيد، واعتقاد ان الله هو مصدر كل خير يصيب الإنسان من جهة حياته المادية، وحياته الروحية، وكان ذلك بمثابة تمهيد يغرس في النفوس الاقبال على الايمان، ويهيئها لاستقبال ما سينزل من التشريع بعد في رضا