/ صفحه 117/
لهذا الاجمال، وافتتحت كل سورة منها بعد الحمد لله بما يشعر بنوع التربية التي فصلتها.
فبينما تبدأ الفاتحة (بالحمد لله رب العالمين) فتعم تربية الخلق والتشريع، وتتبعه بما يؤكد هذا المعنى في الجانبين، نرى أن سورة الانعام تبدا بقوله تعالى: (الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور، فتذكر شأن الخلق والإيجاد وتذكر أعراض الكائنات من الظلمات والنور وخلق الإنسان من طين، والقرون الذين مكنهم الله في الارض، والسماء والانهار، وما سكن في الليل والنهار، ومفاتح الغيب التي لا يعلمها الا هو، واستدلال ابراهيم على الله بظواهر الشمس والقمر والنجوم، إلى غير ذلك مما تغلب عليه ناحية الخلق والتدبير.
ونرى سورة الكهف تبدأ بقوله تعالى (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا).
ثم تمضي في بيان هذه الناحية من ربوبية الله المتصلة ببيان الامور الغيبية التي لا يعلمها الا الله، ولفت نظر الإنسان إلى ما فيها من عبر، فيذكر قصة أهل الكهف، ويذكر تصريفه في هذا القرآن للناس من كل مثل، وأنه ما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم الا أن تأتيهم سنة الأولين، ويذكر قصة موسى وفتاه والعبد الصالح، وما كان فيها من عبر، إلى غير ذلك مما تغلب عليه روح التربية الالهية عن طريق الوحي وانزال الكتب، ثم تختم بقوله تقريراً لبشرية الرسول، وإمداده بوحي الله: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى اليَّ).
ونرى سورة سبأ تبدأ بقوله تعالى (الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور) فتذكر جانب التربية الخلقية كما ذكرته سورة الأنعام ولكن على نحو آخر، فتذكر أن جميع ما في