/ صفحه 116/
الكونية العامة تربية نفسية وعقلية، ثم رباه تربية تشريعية سبيلها الوحي وبعث الرسل، وكما أنه لا شريك له سبحانه في تربية الخلق والتكوين، لا شريك له في تربية الوحي والتشريع، وكما أنه ليس لأحد أن يزعم لنفسه نصيباً في الخلق أو حقا فيه، فليس لأحد أن يزعم لنفسه نصيباً في التشريع، والتحليل والتحريم.
ومن هنا كان لله في خلقه عامة تربيتان: تربية خَلقية وأخرى تشريعية، وقد انتظمهما قوله تعالى (رب العالمين) وفي ذلك إيحاء قوي إلى أن يُعمِل الإنسان عقله في هذا العالم ليدرك نواحي هاتين التربيتين اللتين جعلتا مناط استحقاق الله للحمد، واختصاصه بالثناء، فعلى الإنسان لذلك أن يبحث أسرار الله في نفسه، وفي الحيوان، وفي النبات، وفي الجماد، وفي السماء، وفي الارض، وفي الماء، وفي الهواء، وفي كل ما خلق الله من شئ، وعليه أن يبحث في طبيعة العقل البشري، وما يعرض له من وجوده الزلل إذا استقل بالنظر إلى الاشياء والآراء والافهام، وما هو بحاجة إليه من تشريع الهي يعصمه ويؤازره في إدراك الحق والعمل بالحق.
وقد صرح القرآن الكريم بهذا الايحاء في هذه الآيات الكثيرة التي تحث على النظر في ملكوت السموات والارض، وما خلق الله من شئ كي يدرك الإنسان جهات هذه التربية، ويؤمن عن علم وبرهان أن الله سبحانه هو رب العالمين، وأنه المستحق للحمد والثناء (فانظر إلى آثار رحمة الله). (وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم افلا تبصرون).
سور الحمد في القرآن:
وفي القرآن غير الفاتحة سور أربع بدئت بالحمد لله، هي: سورة الانعام، وسورة الكهف، وسورة سبأ، وسورة فاطر، وبذلك تكون سور الحمد خمساً.
ومما تجدر ملاحظته أن هذه السور الخمس قد دارت حول بيان ربوبية الله للعالم من ناحيتيها: الخلقية والتشريعية، وأن سورة الفاتحة تختص من بينها بأنها أجملت ذكر هذه الربوبية من الجانبين، وأن السور الاخرى جاءت كتفصيل.