ـ(98)ـ
والجواب: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه. فيما يرجع إلى أمور الشريعة بالاتفاق لأنه(لا ينطق عن الهوى. إن هو إلاّ وحي يوحى)، ومع هذا نتمكن أن نجيب على ذلك من باب حكمة هذا التفويض إلى الأئمة دون غيرهم، إذ نقول:
يمكن أن تكون الحكمة هي عصمة(1) هؤلاء الأئمة دون غيرهم؛ فهم الأجدر بتحمل مسؤولية التبليغ لأحكام الله وحفظها من الضياع، وهم هو الأجدر بحكومة الناس ـ من حيث عصمتهم من الوقوع في الخطأ أو الاشتباه أو النسيان ـ في تطبيق أحكام الله تعالى. وقد أثبت لنا التاريخ أنهم الأجدر في حفظ سنة النبي (صلى الله عليه وآله) حيث منع من كتابة وحفظ الحديث في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعد وفاته كما تقدم ذلك، فإن قريش(ومن تسلم الحكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)) قد منعوا من كتابة الحديث خشية اختلاطه مع القرآن الكريم ! ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده هم الذين حفظوا حديث رسول الله وكتبوه وتوارثوه ونشروه كما دلت على ذلك الروايات المتقدمة.
______________________
1 ـ الأدلة على عصمة الأئمة عليهم السلام من القرآن والسنة كثيرة منها:
أ ـ آية التطهير:(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
ب ـ ومنها حديث الثقلين المتواتر بين المسلمين حيث جعل النبي (صلى الله عليه وآله) أهل البيت عدلا للقرآن، وأنهما(القرآن والعترة) لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض في يوم القيامة، والقرآن لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه(ذلك الكتاب لاريب فيه) وقد صرح الحديث بعدم افتراق أهل البيت عن القرآن. ومن البديهي أن صدور أية مخالفة للشريعة(سواء كانت عن عمد أم سهو أم غفلة) تعتبر افتراقا عن القرآن وإن لم ينطبق عنوان المعصية عليها كما في الغافل والساهي ! وقد صرح الحديث بأن التمسك بالقرآن والعترة يكون عاصما من الضلالة دائما وأبدا، ولا يمكن ذلك إلاّ بأن نفترض عدم صدور أي ذنب منهم، وأن عملهم مطابق للشريعة دائما وهو معنى العصمة.