ـ(62)ـ
أمرتم أم تفعلون كما فعل من قبلكم من قوم موسى؟)(1).
6 ـ تطرق الرازي في بعض الموارد إلى توجيه الآيات المتشابهة وهي الآيات المتكررة في القرآن الكريم باختلاف يسير، كاختلاف بحرف أو كلمة أو تقديم أو تأخير، وما شابه ذلك من الأمور التي ذكرها أصحاب علوم القرآن(2)، ففي قوله تعالى: ]وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما[(3).
(لقائل أن يقول: إنه تعالى قال هاهنا ]... وكلا منها رغدا...[ وقال في الأعراف: ]... فكلا من حيث شئتما...[(4). فعطف(كلا) على قوله [اسكن] في سورة البقرة بالواو وفي سورة الأعراف بالفاء، فما الحكمة؟
والجواب: كل فعل عطف عليه شيء وكان الفعل بمنزلة الشرط، وذلك الشيء بمنزلة الجزاء عطف الثاني على الأول بالفاء دون الواو كقوله تعالى [وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا..](5).
فعطف(كلوا) على(ادخلوا) بالفاء لما كان وجود الأكل منها متعلقا بدخلوها فإنه قال: إن دخلتموها أكلتم منها، فالدخول موصل إلى الأكل، والأكل متعلق وجوده بوجوده، يبين ذلك قوله تعالى في مثل هذه الآية من سورة الأعراف: ]وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم...[(6). فعطف(كلوا) على قوله(اسكنوا) بالواو دون الفاء لأن(اسكنوا) من السكنى وهي المقام مع طول اللبث والأكل لا يختص وجوده بوجوده، لأن من دخل بستانا قد يأكل منه وإن كان مجتازا، فلما لم يتعلق الثاني بالأول تعلق الجزاء بالشرط وجب العطف بالواو دون الفاء.
إذا ثبت هذا فنقول: إن(اسكن) يقال
______________________
1 ـ التفسير الكبير 3 : 236.
2 ـ البرهان في علوم القرآن 1 : 145، والإتقان 3 : 390.
3 ـ البقرة : 35.
4 ـ الأعراف : 19.
5 ـ البقرة : 58.
6 ـ الأعراف : 161.