ـ(58)ـ
إن هذا النص بطوله وإسهابه هو أحد نصين ذكرهما الرازي في(إنّ) وفي الحقيقة هذا النص أقصر من النص الثاني الذي ذكره، وذكر فيه اختلاف البصريين والكوفيين في رافع الخبر بعد(إنّ) ودليل كل فريق، وتوجيه كل دليل بنحو قلما يوجد في كتب المطولات النحوية، بل لم أجده في كتاب(الإنصاف في مسائل الخلاف) للأنباري الذي أورد هذه المسألة مع ذكر أدلة كل طرف.
3 ـ تطغى المباحث الكلامية في تفسير الرازي على غيرها من المباحث حتى يخيل إلى القارئ أنه كتاب جدل ومناظرة وكلام، لا كتاب تفسير؛ يشير مؤلفه عند الحاجة إلى بعض المباحث إشارة توضح النص القرآني، وتلقي عليه ضوءا يفتح أمام القارئ آفاقا رحبة لفهم النص وتذوقه.
صحيح أن الرازي ينتمي إلى المذهب الأشعري في الأصول، وينصب نفسه مدافعا عن مذهب السلف في مقابل مذهب المعتزلة والشيعة، ويحاول تفسير القرآن الكريم بنحو يقرر فيه أقوال الأشاعرة وآراءهم، ويرد المعتزلة وغيرهم، ولكن هذا لا يبرر جعل كتابه كتابا كلاميا يذكر فيه التفسير على هامش بحوثه الأخرى حتى قيل فيه:(فيه كل شيء إلاّ التفسير).
ومن يطالع تفسير الرازي تلفت نظره عبارة(أصحابنا) و(أهل السنة) وبالمقابل(المعتزلة) و(القدرية) فعند تفسيره قوله تعالى: ]قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون[(1).
قال:(المسألة الثانية: أحتج أصحابنا بهذا على أن الحوادث بأسرها مرادة لله تعالى فإن عند المعتزلة أن الله تعالى لما أمرهم بذلك فقد أراد
______________________
1 ـ البقرة : 70.