ـ(192)ـ
ولم يكن الناس يتساءلون عن عنصر ولا أصل، وإنما يتساءلون عن عمل وخلق ودين فمن المماليك الذين وصلوا إلى أعلى مناصب الدولة في مصر والبلاد الإسلاميّة نجد الأرمني والروسي والصقلي والكرجي والشركسي والتتري والتركي والفرنجي والسوداني والحبشي. ولو تعقبنا أنسابهم لانكشفت لنا عن جميع ألوان البشر.
فلم تكن الوطنية بمعناها الحديث، ولا القومية بعصبيتها الحاضرة حدا فاصلا بين الناس كما صارت في العصور الأخيرة).
ثم يتحدث عن المشكلة التي خلقتها النزعات القومية والوطنية في أوربا، وآثار هذه المشكلة في الشرق نتيجة لتقليده الغرب ويقول:
(فالوطنية والقومية بمعناهما الحالي لم تكونا مع الأسف خطوة في سبيل الاستقرار، بل كاننا عاملا لزيادة الاضطراب العالمي، وسببا جديدا لنزاع اوسع دائرة وأعصى حلا.
فإن الوطن باعتباره مقاما جغرافيا لقوم من الأقوام لم يستطع أن يحدد حدودا لجنسه من غير أن يصطدم بقوم آخرين وبانتشارهم، ولم تساعد الطبيعة إلاّ نادرا على تحديد ساحة خاصة لعنصر خاص.ففي أوربا كلها لاتجد إلاّ الجزر البريطانية التي حددها البحر، ومع ذلك فلم تخل إيرلنده من نزاع مع بريطانيا على مقاطعة(الستر) في شمال إيرلنده.
وقد مرّ قرنان على الأقل على أوربا، وقد غرقت في دماء حروبها لتعديل الحدود وتحرير الأقليات بين الفرنسيين والألمان، وبين هؤلاء والنمساويينن؛ وبين هؤلاء وهؤلاء والصقالبة، وبين النسما وإيطاليا، وبين البلقانيين جميعا؛ وبينهم وبين الدولة العمثانية، وبين روسيا وجيرانها من الغرب أو الشرق أو الجنوب، وبين التشيك والبولنديين والمجر والرومانيين
وهكذا نجد النزاع على ما يسمى الوطن وحدوده قائما لا يستقر، بل يتزايد على مدى