ـ(166)ـ
جاء في مقدمة هذا الكتاب،أن مباركاً لم يقف من الشاعر الذي درسه موقف الأستاذ من التلميذ ن وإنما وقف منه موقف الصديق من الصديق، ثم يقول: والتشابه بيني وبين الشريف الرضي عظيم جداً، ولو خرج من قبره لعانقني معانقة الشقيق للشقيق، فقد عانى في حياته ما عانيت في حياتي، كافح في سبيل المجد ما كافح وجهله قومه وزمانه، وكافحت في سبيل المجد ما كافحت وجهلني قومي وزماني، غير أنه مع هذه الإشارة إلى التشابه بينه وبين الرضي يقول: ولكني عاملته معاملة الصديق الأمين فنبهته إلى عيوبه بتلطف وترفق، نبهته تنبيها دقيقا جدا لا يفطن إليه إلاّ الأذكياء(1).
وقد عرض الدكتور مبارك في الجزء الأول من عبقرية الشريف الرضي إلى طرف من مقام الشريف بين شعراء القرن الرابع الهجري، وكذلك إلى صلاته بخلفاء بني العباس، وأوما إلى أعوام البؤس في حياته، والتي بدأت باعتقال والده ومصادرة أملاكه وحبسه في قلعة فارس من سنة 369 إلى سنة 376 هـ. وكان الشريف حين اعتقل أبوه في العاشرة من عمره حيث ولد ببغداد سنة 359 وتوفي بها سنة 406 هـ.
ولكن أعوام البؤس التي عانى فيها الشريف ما عاني أفاد منها نعمة باقية فقد أحب أباه حبا لم يسمع الناس بمثله،وصار يتلهف عليه تلهفا موجعا، وينظم فيه أشعارا لها رنين الأسجاع، أسجاع الحمائم الباكية في إثر الأليف المفقود.
وتحدث أيضاً في هذا الجزء عن الشريف كاتبا ومؤلفا، وخص كتاب نهج البلاغة بمحاضرة أشاد فيها بالقيمة العلمية والأدبية والتاريخية لهذا الكتاب ومما قاله فيه: وإني لأعتقد أن النظر في كتاب نهج البلاغة يورث الرجولة والشهامة وعظمة النفس، لأنه فيض
______________________
1 ـ انظر: مقدمة عبقرية الشريف الرضي 1 / 11 و21 ط. المكتبة العصرية،صيدا.