ـ(165)ـ
وقال عنه بعض أصدقائه:(إن مباركا رجل ثائر لا تروقه الحياة ولا يستطيب العيش إلاّ بالغزوات العلمية، ولو جاز وصف المساجلة كمعركة حربية وتشبيه الأدباء بالجيش لتمثلت مباركا ضابطا من الضباط يزدان صدره بالأوسمة والنياشين لكثرة ما نازل من الأقران)(1).
وإذا كان المجال لا يسمح بتفصيل القول في حياة زكي مبارك الاجتماعية والفكرية لأن هذه الحياة تحتاج إلى بحث مستفيض، فإني أقصر حديثي على كتاب واحد من مؤلفاته، ولا أتناول هذا الكتاب بالدراسة الشاملة،وإنما أتناول ما ورد فيه عرضا عن التقريب بين المذاهب الفقهية.
هذا الكتاب هو(عبقرية الشريف الرضي) وترجع قصة تأليفة إلى أن مباركا قد انتدب للتدريس بدار المعلمين العالية ببغداد، وكان ذلك سنة 1937، ولم يمكث بعاصمة العراق إلاّ نحو عام، ولكنه في هذه الفترة القصيرة سطر مئات الصحف في الدعوة إلى توثيق الصلاة بين الأقطار العربية،كما نقل إلى القراء صوراً خلابة عن غابات النخيل في البصرة،وسجع الحمائم في الموصل،وبقايا السحر في بابل، ورسم تألق القباب العلوية في النجف والكرخ، وألقى عدة محاضرات بنادي القلم العراقي ونادي المثنى والإذاعة العراقية.
وكان أهم ما كتبة زكي مبارك وهو في العراق مؤلفه عن عبقرية الشريف الرضي،وهذا الكتاب في الأصل مجموعة محاضرات أدبية ألقاها في قاعة كلية الحقوق ببغداد، فكان أول باحث خص الشريف بجزئين كبيرين، وقد استمع إليها كثير من الأساتذة والطلاب(2)، وقد
______________________
1 ـ انظر: مجلة الرسالة، السنة العشرون / 192.
2 ـ انظر: المصدر السابق / 193.