ـ(215)ـ
وقد يستشكل على بعض المولعين بالتكفير ما ورد عن الشافعي من إطلاق كلمة الكفر على بعض المبتدعة، حيث قال:"ومحل ما تقدم في المبتدع الذي لا يكفر ببدعته، أما الكافر ببدعته فروايته ساقطة على مقتضى ذلك جزماً"(1)، فهو كفر دون كفر، ولذلك علق البلقيني عليه بقوله: وكلام الشافعي الآنف الذكر حمل البيهقي على تحقيق آخر للتكفير في البدعة. قال: والذي روينا عن الشافعي وغيره من الأئمة من تكفير هؤلاء المبتدعة فإنما أرادوا به كفراً دون كفر.
وهو كما قال الله عزّوجلّ: [ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون](2). قال ابن عباس: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، انه ليس بالكفر ينقل من ملة، ولكن كفر دون كفر.
وقال الامام ابن تيمية: "قال غير واحد من السلف: كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك"(3).
وأساس الاستدلال عندنا هو قول البخاري: المعاصي من أمر الجاهلية، لا يكفر صاحبها بارتكابها إلاّ بالشرك، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): "إنك امرؤ فيك جاهلية" رواه البخاري فانظر إلى هذا الفقه الذي أوتيه البخاري (رضي الله عنه) والذي استند فيه على قصة أبي ذر عندما عيّر بلالاً بسواد أمه وأبو ذر من كبار الصحابة، فلا يعقل مطلقاً أن النبي أراد بهذه الكلمة نفي الإيمان عنه وغمسه في مستنقع الجاهلية وقطع أي صلة بينه وبين الإسلام، ولكنها الجاهلية النسبية، وهي المعصية التي هي من خواص الجاهلية. وكلما ازدادت هذه المعاصي عند
______________________
1 ـ البلقيني، محاسن الاصطلاح: 231.
2 ـ المائدة: 44.
3 ـ مجموع الفتاوى 11: 140.