ـ(214)ـ
العقائد الفاسدة، ولا يلتمسون لهم المخارج ولا يجدون لكلامهم تأويلاً، فمثل هذه الأحكام المشبعة بالحقد والكراهية والمنافسة على حطام الدنيا كالمنافسة على الزعامة أو الوصول إلى سلطة معينة مثل المجلس النيابي أو البلدي، فمثل هذه الأحكام المشوبة بكل ما ذكرت لا تقدم ولا تؤخر ولا تؤثر، بل هي عائدة على أصحابها بالخسران والضلال المبين.
وأحسن ما رأيت في هذا الموضوع ما ذكره الامام ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث في النوع الحادي والستين"معرفة الثقاة والضعفاء" وهو يتحدث عن الشروط اللازمة للجارح ليقبل جرحه للراوي، فقال عند جرح النسائي لأحمد بن صالح ـ وهو إمام حافظ ثقة لا يعلق به جرح ـ أخرج عنه البخاري، وقد كان من أحمد إلى النسائي جفاء أفسد قلبه عليه، وإذا نسب مثله إلى هذا، أي نسب مثل النسائي، وهو إمام حجة في الجرح والتعديل إلى مثل هذه الجرح المردود، كان وجهه أن عين السخط تبدي مساؤى لها في الباطن مخارج صحيحة تعمى عنها بحجاب السخط، لا أن ذلك يقع من مثله تعمداً لقدح يعلم بطلانه، فأعلم هذا فإنه من النكت النفيسة" (1)
قال ابن ناصر الدين: ولقد قال إمام التعديل والجرح والمعتمد عليه في المدح والقدح أبو عبدالله محمد بن الذهبي فيما وجدته بخطه: ولا ريب أن بعض علماء النظر بالغوا في النفي والرد والتحريف والتنزيه بزعمهم حتّى وقعوا في بدعة أو في نعت الباري بأوصاف المعدوم، كما أن جماعة من علماء الأثر بالغوافي الإثبات، وقبول الضعيف والمنكر ولهجوا بالسنة والإتباع فحصل الشغب ووقعت البغضاء وبدّع هذا هذا، وكفر هذا هذا، ونعوذ بالله ومن المراء في الدين وأن نكفر مسلماً موحداً بلازم قوله وهو يقرّ من ذلك اللازم وينزّه الرب سبحانه وتعالى.
______________________
1 ـ تعليق العلامة أبو غدة على قاعدة السبكي: 56.