ـ(213)ـ
الحكم من الغلو والعصبية.
الأمر الثالث: أن الحكم بالتكفير لا يعتبر بين المختلفين في أمور العقائد لما يرافق ذلك الحكم من الغلو والعصبية.
الأمر الرابع: لا يكفر أحد من أهل القبلة ولو كان على بدعة شرط إلاّ تكون بدعته مكفرة، ومن أشنع الشنائع أن يكون الطعن بالتكفير والتبديع والتضليل ناشئاً عن السخط والعداوة والتعصب للمذهب أو الشيخ أو الطائفة والحزب أو الجماعة، حيث أن عين السخط لا تبدي إلاّ المساوئ، كما أن عين المحبة لا تبدي إلاّ المحاسن، ولهذا لم يعول علماء الجرح والتعديل على الجرح الناشئ عن العداوة المذهبية أو الكراهية والبغضاء أو الحسد قال الامام السبكي رحمه الله: ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح، فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك.
واليه أشار الرافعي بقوله: "وينبغي أن يكون المزكون برءاء من الشحناء والعصبية في المذهب خوفاً من أن يحملهم ذلك على جرح عدل أو تزكية فاسق" (1) وقال في موضع آخر: "لا يجوز أن يبغض الرجل لأنه من مذهب كذا"(2) وقال: "الطامة الكبرى إنّما هي في العقائد المثيرة للتعصب والهوى نعم وفي المنافسات الدنيوية على حطام الدنيا، وهذا في المتأخرين أكثر منه في المتقدمين"(3).
وبعد هذه النصوص نعلم تهافت المكفرة الذين يكفرون بسبب المخالف العقدية أو الفكرية كالذين يكفرون سيد قطب وغيره من الأئمة قديما وحديثا وينسبونهم زوراً إلى
______________________
1 ـ قاعدة من الجرح والتعديل: 35.
2 ـ نفس المصدر: 49.
3 ـ نفس المصدر: 54.