ـ(193)ـ
والتربية والقانون والفقه والتاريخ الإسلامي، وكل ماله صلة بالإسلام، وتسليط الأضواء على الشبهات الموجهة نحو الأصول والفروع الإسلاميّة، وزعزعة ثقة المسلمين باسلامهم، مرددين العبارة الاستعمارية التالية: "إن أوروبا لم يُتَح لها النجاح حتّى فصلت عملها وسياستها عن سلطان الكنيسة"، ناسين أن الكنيسة غير المسجد، وأن الإسلام غير. المسيحية المحرفة التي لم تعد نظاماً للحياة، بقدر ما هي تعاليم فردية روحية لا غير ثم تبدأ بعد هذه المرحلة من الخطة الاستعمارية عملية تزريق تلك العقول والأذهان الخاوية بالأفكار التي يريدون والرؤى التي تقتطع المسلم عن تراثه الفكري وخلفيته الحضارية اقتطاعاً كاملاً، وتمسخ هويته الإسلاميّة المستقلة، وتلقي به في أذرع أخطبوط التغريب أو ما يعبر عنه أحياناً بـ "التحديث" أو "العصرنة" في شكلها السلبي الذي يسلب عن "المتغرب" كل شكل من أشكال الإرادة الذاتية والقدرة على اتخاذ أي قرار أصيل. ولا تنتهي العملية عند هذا الحدّ، بل إنها تقوم أيضاً على تعبئة بعض ضحايا تلك المؤامرة الفكرية وتجنيدها لمواجهة الفكر الإسلامي والثقافة الربانية وزجها في معركة حضارية مع أهلها، وتحريكها بالاتجاه الذي تريده القوى المعادية متى ما رأت ذلك مناسباً.
لقد عول الاستعمار الحديث في أسلوبه الجديد إذن على تلك الطبقة الكبيرة من المتغربين ودعاة الحداثة ووضعهم ضمن فقرات خطته الرامية إلى غزو الفكر الإسلامي لما يمتلكونه من إمكانية لتحقيق ما يصبو إليه أهمها أنهم جزء من المجتمع الإسلامي ومحسوبين عليه ولهذا نشاهد أن الاستعمار الغربي قد وضع البرامج الدقيقة لتخريج هؤلاء المتغربين وصياغة نمط تفكيرهم وسلوكهم وفق ما يريد وضمن الأسلوب الذي يوصله إلى تحقيق أهدافه. فيقول جان بول سارتر في هذا المجال "كنا نحضر لعدة أشهر عدداً من الشباب الأفارقة والآسيويين إلى أمستردام وباريس ولندن فنجول بهم ونغير ثيابهم ومظهرهم ونعلمهم