ـ(194)ـ
تعابير التأدب واللياقات الاجتماعية، ولغة ممسوخة نصفها لهجة محلية. باختصار كنا نفرغهم من مضمونهم الثقافي الخاص، ثم نعيدهم إلى بلادهم آنذاك لا يعدون أناساً يستطيعون الكلام عن أنفسهم، إنهم ليسوا سوى صدى لنا. ونمرر لهم شعارات الإنسانية والعدالة، فيفتحون أفواههم فيما بعد في أفريقيا أو في آسيا مشدرين ومؤكدين على أصواتنا"(1).
وبذلك أضحى دعاة الحداثة مجرد بوق للأفكار الغربية وذراع من أذرع الأخطبوط الاستعماري في غزوه الحضاري والفكري للعالم الإسلامي. ولهذا فقد "أصبحوا غير قادرين على رؤية الأنا على حقيقتها بعد أن حبس وعيهم في هذا المنظار. فهم يرون ما يراه الآخر ولا يرون مالا يريد أن يراه" (2).
وقد بلغت تبعيتهم للغرب وذيليتهم له إلى درجة أنهم راحوا يستقون المعلومات الخاصة بالتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلاميّة، وكل ماله علاقة بالإسلام والمسلمين من الموسوعات والدراسات الاستشراقية معتبرين أن ما يقوله الغرب حولنا هو الصحيح وما نقوله نحن عن أنفسنا لا يمت إلى الحقيقة بصلة ! وهذا يمثل أسوأ حالة من حالات فقدان الثقة بالنفس. وحتى تلك الدراسات التي قام بها نفر من المتغربين حول التاريخ الإسلامي والشرقي بشكل عام لم يكن فيها هذا النفر إلا ببغاء تردد ما يردده الآخرون، وليس لهم فيها أي دور إيجابي قط فان قال المستشرقون نعم قال هؤلاء نعم وإنّ قالوا لا قالوا لا أيضاً.. فيُشكلون على ما أشكل عليه المستشرقون، ويتسامحون في المواضع التي تسامحوا فيها.. يكبرون ما كبروا ويصغرون ما صغروا.. ويقرعون الآذان بما قرعها به الغربيون.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحدّ، بل أن الاستعمار قد تغلغل في ذهنية هؤلاء بحيث
______________________
1 ـ المصدر السابق.
2 ـ المصدر السابق.