ـ(192)ـ
خلقتها في نفسه للثأر من الفكر الإسلامي ولهذا ظلت روح الانتقام تداعب قلوبهم حتّى يومنا هذا. ونلمس ذلك في قول القس "شانتور" الذي رأس الكلية اليسوعية (1) في بيروت زمناً طويلاً: "ويأتي المبشر تحت علم الصليب يحلم بالماضي وينظر إلى المستقبل وهو يصغي إلى الريح التي تصفر من بعيد، من شواطئ روما ومن شواطئ فرنسا، وليس من أحد يستطيع أن يمنع تلك الريح من أن تعيد على آذاننا قولها بالأمس وصرخة أسلافنا: إن الله يريدها"(2). وكان الصليبيون يرددون في حروبهم شعار: "إن الله يريدها" أي إن الله هو الذي أراد هذه الحروب!
والعجيب أن القائد الاستعماري "غورو" لما دخل دمشق في الربع الأول من القرن العشرين ووصل إلى مثوى صلاح الدين الأيوبي، ركل قبره قائلاً: "الآن انتهت الحروب الصليبية يا صلاح الدين!" منفساً بذلك عن غضبه ومعبراً في الوقت نفسه عن الحقد الذي يغلي في صدره.
ولم تقتصر عملية الغزو الفكري للعالم الإسلامي على ميدان واحد أو تنحصر في إطار معين، بل امتدت لتشمل جميع الأصعدة وشتى المجالات، ولكنها اعتمدت في مجملها على إفراغ عقول الجيل المسلم من الأفكار والعقائد والمفاهيم الإسلاميّة والحط من شأنها في عينه، وإظهارها قاصرة عن مواكبة حالة التطور التي يشهدها العالم على كافة الأصعدة، وقصورها عن تلبية الحاجات الإنسانية، وعجزها عن وضع الحلول للمشاكل التي يفرضها ذلك التطور والناجمة عن الحركة باتجاه المستقبل، وإثارة الشكوك في الثقافة والاقتصاد
______________________
1 ـ الجامعة الأمريكية اليوم.
2 ـ مجلة الفكر الجديد، العدد 9، ص 154.