ـ(191)ـ
ومدافع عن القساوسة والرهبان خارج الأرض الفرنسية ! وإيطاليا التي ناصبت الكنيسة العداء واحتجزت البابا في الفاتيكان، وصادرت أموال الأديرة في إيطاليا نفسها، نراها تؤسس المدارس المسيحية في البلاد الإسلاميّة وتملأها بالدعاة إلى المسيحية! وروسيا التي ألغت كافة الأديان وناهضتها، دعت إلى تشكيل مجمع مسكوني بموسكو وحملت إليه المؤتمرين بطائراتها، وأعربت عن تعاطفها مع رجال الدين المسيحي ! وكذلك الأمر بالنسبة لإنجلترا وألمانيا وغيرها من الدول الغربية.
فالتبشير والاستعمار إذن وسيلة استعمارية رهيبة، والمبشرون والمستشرقون ليسوا سوى طلائع الغزو الاستعماري السياسي والثقافي في البلاد الإسلاميّة، ذلك الغزو الذي أراد تدمير الرصيد الإسلامي من الثقافة والفكر، وهو الرصيد الذي كان ولا يزال يبعث الخوف في أفئدة الغزاة ولهذا نشاهد يوليوس رشتر (Richter) يؤنب النصارى على قصر نظرهم في العصور السابقة التي تلت ظهور الإسلام وركونهم إلى الدعة، في حين كانت الإمبراطورية البيزنطية تذوب شيئاً فشيئاً في الإمبراطورية الإسلاميّة حتّى سقطت القسطنطينية عام 1453 م بيد المسلمين (1).
ويردُّ البعض ذلك العداء الشديد للإسلام والحقد على المسلمين إلى الحروب الصليبية نفسها، غير أن المستشرق الألماني كارل بيكر(BecKer) يرى أن ذلك العداء قد سبق الحروب الصليبية ويعود إلى الفترة التي انتشر فيها الإسلام خلال العصور الوسطى وأقام سداً في وجه النصرانية، ثم امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها لكن لا يمكن أبداً تجاهل الآثار التي خلفتها الحروب الصليبية على نفسية الإنسان الأوروبي والحوافز التي
______________________
1 ـ المصدر السابق: 36.