ـ(190)ـ
له ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام دون أن تدخلوه في المسيحية. وبالتالي جاء النشئ الإسلامي طبقاً لما أراده له الاستعمار: لا يهتم للعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلاّ في الشهوات. فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز فللشهوات"(1).
وتعبر أقواله هذه تمام التعبير عن الهدف الأول الذي يرمي إليه التبشير وهو فتح أبواب البلاد الإسلاميّة بوجه الاستعمار الغربي خلال مناورة فكرية مراوغة مدروسة بدقة، ومخطط لها بشكل رهيب، فهم لا يعنيهم في أي حال من الأحوال أن يعتنق المسلم المسيحية، بل يهمهم أن يتخلى عن فكرته الإسلاميّة ويتنصل عن ثقافته الإلهية، وحينئذ تنهار كافة المقومات الأساسية في كيان الأمة، وينتصر الغرب في عملية الصراع الحضاري الطويل بني الإسلام والمدارس المضادة. فالأمر إذن ليس التبشير بالمسيحية كما قد يتصور البعض، بل هو التصدي للإسلام الذي يقول عنه لورنس براون: إن الخطر الحقيقي كامن فيه وفي قدرته على التوسع، وفي حيويته، وبأنه الجدار الوحيد الذي يقف في وجه الاستعمار الأوروبي(2).
وانطلاقاً من ذلك نرى كيف وقفت الدول الاستعمارية بحزم خلف التبشير والاستشراق، وشجعتهما وأمدتهما بالمال والإمكانات. فنرى الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تعترف بالدين في بلادها قد نشرت مبشريها في سائر أرجاء الأرض للدعوة إلى المسيحية، ونراها كذلك تقف في عام 1963 م مع البوذيين في فيتنام ضد الحكومة المسيحية ! وفرنسا البلد العلماني الذي ضيق الخناق على رجال الكنيسة قد تحول إلى ذاب
______________________
1 ـ المصدر السابق: 58 ـ 60.
2 ـ التبشير والاستعمار: 184.