ـ(183)ـ
وعن يحيى بن سعيد قال: سمعت رجلاً يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا أقول في القرآن شيئاً. وكان لا يتكلم إلاّ في المعلوم من القرآن.
وعن ابن سرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين علموا فيم أنزل القرآن (1).
لكن على الرغم من ذلك فقد تصدى علماء الصحابة ونبهاء التابعين للتفسير، واجتهدوا فيه وأعملوا النظر والرأي فيه، لكن على الطريقة المستقيمة، التي كان يقبلها الشرع والعقل، وهي الطريقة التي مشى عليها العقلاء في تفهمهم للكلام أكان وحياً من السماء أم كان كلام إنسان منثوراً أو منظوماً، الأمر الذي لا يعنيه حديث النهي عن التفسير بالرأي.
وإنما يعني التفسير بالرأي ـ الممنوع شرعاً والممقوت عقلاً ـ الاستقلال والاستبداد بالرأي فيه، قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من استبد برأيه هلك. هذا عام يشمل تفسير الكلام أيضاً، فان للتفسير أصولاً ومباني يجب الجري عليها ومواكبة العقلاء في طريقة فهم الكلام، فالحائد عن الطريق، ضال لا محالة.
ولابن النقيب محمد بن سليمان البلخي كلام في تفسير حديث النهي عن التفسير بالرأي قال: إن جملة ما تحصّل في معنى الحديث خمسة أقوال:
أحدها: التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير.
ثانيها: التفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلاّ الله.
ثالثها: التفسير المقرِّر للمذهب الفاسد، بان يجعل المذهب أصلاً والتفسير تابعاً، فيرد إليه بأي طريق أمكن، وإن كان ضعيفاً.
______________________
1 ـ تفسير الطبري 1 : 29، ومقدمة كتاب المباني في نظم المعاني : 183 ـ 184.