ـ(114)ـ
تعالى فحسب.
والوجه الثاني: أن يقصد به وجوب طاعة كل تكليف يصدر من ولي الأمر في جميع الأمور سواء كان فيها تكليف مباشر في الشريعة الإسلاميّة أو لم يكن، وهذا غير محتمل أيضاً لأنه ينافي ما ثبت بالضرورة من عدم جواز طاعة المخلوق في معصية الخالق، وقد وردت روايات بهذا المضمون كما في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"(1).
والوجه الثالث: أن يقصد به وجوب طاعة ولي الأمر في المساحة التي لم يرد فيها تكليف مباشر من قبل الشريعة الإسلاميّة؛ وهذا هو التفسير المتعيّن لوجوب طاعة ولي الأمر بقطع النظر عن تعيين المقصود بولي الأمر كما ذكرنا، وهذا يعني أن الشريعة الإسلاميّة تركت مساحة معينة من الأمور لم يباشر فيها ببيان تكليفٍ إلزامي من وجوب أو حرمة ليملأها ولي الأمر الشرعي بما يرى من تكليف مناسب يضمن به الحفاظ على الأهداف العامة للشريعة الإسلاميّة بحسب مقتضيات الظروف والأحوال. وهذه المساحة هي التي نعبر عنها بـ(منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي).
ولا يخفى أن الخلاف في تعيين أولي الأمر لا يؤثر على أصل هذه الفكرة فسواء كان أولو الأمر عبارة عن كل من تم تعيينه بالبيعة في كل زمان ـ كما هو المشهور لدى علماء السنة ـ أو كان عبارة عن الأئمة الاثني عشر وينوب عنهم الفقهاء العدول في عصر الغيبة ـ كما هو المشهور لدى علماء الشيعة ـ فعلى كلا التقديرين إنّما تجب طاعة ولي الأمر في المساحة المفوضة إليه من قبل الشريعة الإسلاميّة، لا في المساحة التي قد عينت الشريعة الإسلاميّة
______________________
1 ـ تفسير ابن كثير 1 ـ 783: نقلاً عن سنن أبي داود: 87 والبخاري 9 ـ 78.