ـ(96)ـ
ويضعها في مستحقها. إذ من هذه المصارف سبيل الله، وهو مصرف واسع يشمل وجوهاً شتى من مصالح الأمّة في دينها ودنياها، والقائم برعاية ذلك كلّه هو ولى أمر المسلمين الذي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويقيم فيهم حدود الله وينفذ فيهم أحكامه، فإنه أجدر برعاية مصالحهم، وأحق بجمع صدقاتهم ووضعها حيث أمر الله، فيعطي الفقراء والمساكين والعاملين عليها وسائر الأصناف المفروضة لهم مستحقات منها بحسب ما يقتضيه ميزان العدل، أما مع انفراط عقد المسلمين وعدم وجود من يقوم برعاية مصالحها فإن كلّ واحد منهم مطالب بأن يتحرى الأمانة والعدل في أداء ما فرض الله عليه من زكاة ماله.
هذا ولم أجد في شيء من كتب الفقه السابقة تعرضاً لاستثمار أموال الزكاة قبل وضعها في مواضعها وإنما أفادت مراجع الفقه وغيرها ما ذكرته من قبل من اختلاف نظرة الفقهاء بين التوسعة والتضييق في بعض المسائل بناء على اختلاف نظرتهم في ترجيح أحد الأصلين على الآخر، فمن راعى جانب التعبد شدد في ذلك، ومن راعى جانب المصلحة كان بخلافه.
ولئن كانت المصلحة هي المحور الذي يدور عليه الفقهاء الموسعون فإن قضية الاستثمار يجب أن تكون موضوعة في إطار المصلحة، فيحكم بجوازه أو منعه بناءً على ثبوتها أو انتفائها إلاّ أنّه لا يمكن أن يترك الحبل على الغارب في ذلك فيباح لكل أحد أن يتصرف وفق ما يدّعيه من المصلحة التي يراها، وإنّما ولي أمر المسلمين الأمين هو بمثابة الوكيل الشرعي لهم جميعاً في رعاية مصالحهم، فإن وجد أنّ الزكاة قد سدّت حاجة الفقراء والمساكين، وكانت بيده فضلة منها لو تركت لاستهلكت فلا مانع في هذه الحالة حسب نظري من استثمار هذه الفضلة الزائدة عن حاجة أهلها فيما يعود عليهم بالنفع الأعم.
وربما كان في صنيع عمر عندما حبس الفيء على المسلمين