ـ(97)ـ
لينتفعوا بريعه من غير أن يقتسموا أصله ما يستأنس به لصحة هذا النظر وسلامة هذا الاتجاه، وكذلك صنيعه عندما رأى الإسلام اشتدّ عوده وعظمت مُنّته، وبسقت دوحته، ولم يكن بحاجة إلى استعطاف المؤلفة قلوبهم لاستدرار نفعهم واتقاء ضرهم وقف عنهم سهمهم من الزكاة، وليس ذلك إلا لما أبصره من حكمة التشريع وأدركه من أبعاد المصلحة، فإن مشروعية إشراكهم في الزكاة ما كانت إلاّ لاجتلاب نفعهم ودفع ضررهم، وبما أن المسلمين أصبحوا في غنى عن ذلك لما آتاهم الله تعالى من قوة ووهبهم من تمكين رأي ذلك الخليفة الراشد البصير أن بقية مصارف الزكاة هي أولى بالتوفير فوقف عنهم هذا السهم وكان ذلك على مرآى ومسمع من سادة الأمة المهاجرين والأنصار، ولم يكن منهم نكير، فكان ذلك إجماعاً سكوتياً.
ولئن ساغ اجتهاد ولي الأمر في ذلك عندما يرى مصلحة الفقراء والمساكين متعينة في استثمار نصيبهم من الزكاة بعد سداد خلتهم وإشباع مسغبتهم فإنّه لأحرى أن يجوز في نصيب المصرف السابع وهو سبيل الله لأنه من أصله موكول إليه ومردود إلى نظره، وقد نص الفقهاء على أن له أن يشتري به ما يراه مصلحة للمسلمين لأجل إعلاء كلمتهم وحماية بيضتهم ففي الإيضاح ما نصه: "وكذلك جائز له ـ أي للإمام ـ أن يشتري من الصدقة العدة والسلاح والخيل للجهاد لأنه قال الله تعالى: "وفي سبيل الله"(1).
بل نصّ على أن عامل الإمام في الزكاة يجتهد وسعه فيما يعود بالمصلحة على أصنافها بعد ما تكون في يده إلى أن يدفعها إلى إمامه، ففي الإيضاح أيضاً:
"وكذلك العامل هو الناظر فيما استعمل عليه، وفي جميع ما يصلح له البيع،
______________________
1 ـ العلامة الشماخي ـ الإيضاح، ج2، ص120، ط دار الفتح.