ـ(94)ـ
وفي هذا الكلام المحكي هنا تأكيد ما سلف من اختلاف العلماء في إعطاء الفقراء بدل ما يستحقونه من زكوات الأموال بسعره مع إيراد الاختلاف في المقاصة بين الفقير وصاحب المال وذلك بأن يحط الغني عن الفقير من دينه الذي عليه له بقدر ما يريد أن يعطيه من الزكاة، فقيل بجوازه مطلقاً وقيل بعدمه على الإطلاق، وقيل بجوازه بشرط أن يكون للفقير وكيل يقوم مقامه، ولم يتبين لي وجه هذا الاشتراط فإن ما يمكن أن يقوم به الوكيل يمكن أن يقوم به الأصيل، والذين جوزوا ذلك لا ريب أنهم نظروا إلى مصلحة الطرفين، فإن صاحب المال يستفيد بذلك اقتضاء دينه، والفقير يستفيد به فكاك رقبته من رقبة الدين.
وفي المنهج أيضاً: "سئل أبو محمّد (رحمهما الله) عمن يمسك زكاته حتّى ينزل به ضيف يطعمه منها يريد بذلك توفير ماله؟ فقال: الذي حفظناه أن الزكاة لا يراد بها توفير المال ولا مكافأة فإن نزل به أحد ممن يستحق الزكاة وأطعمه منها وعرفه أنّه من الزكاة من قبل أن يطمعه فأرجو أن لا يكون عليه غرم إنّ شاء الله، وقال أبو سعيد (رحمهما الله): إنّ من وجبت عليه الزكاة في حبوب مختلفة رديء ووسط وجيد فقيل يجوز أن يعطى من الرديء والوسط بقيمته عن الجيد، وقيل لا يجوز إلاّ أن يخرج من الجيد عن الرديء مكوك بمكوك وكذلك من الوسط لأنه يخرج الأفضل عن الأدون عند صاحب هذا القول، ولا تجوز عنده القيمة، وكذلك فيمن معه شيء من زكاة ماله فأراد أن يأخذه ويعطى بدله ـ قال ـ إذا ميّز ذلك من ماله ليؤديه ولم يكن أنفذه فله الخيار إنّ شاء أمسكه وأعطى مكانه أفضل منه وأن شاء أنفذه.
قيل له: وإذا كانت الزكاة من عنده وأبدل منه ما هو أدون منه إلاّ أنّه أكثر منه هل يكون سواء؟ قال: إذا لم يكن مثلاً من الزكاة أو أفضل منها خرج بمعنى العروض في بعض ما قيل، ويختلف في أداء الزكاة من غير ما يلزم من العروض