ـ(92)ـ
دلالة الأثر إذ لا تشتم إلاّ من بعيد.
هذا ويبدو واضحاً من أقوال علمائنا الّذين جوزوا إعطاء البدل في الزكاة أنهم راعوا مصلحة الفقير وسد حاجته، والصور المحكية عنهم في ذلك توحي بأنهم متفاوتون في توسيع دائرة الرخصة وتضييقها.
ومن أمثلتها ما في منهج الطالبين للعلامة الشقصي قال: "وسئل أبو الحواري رحمه الله عن رجل معه زكاة مثل حب أو تمر فيرى فقيراً أو يتيماً فقيراً عريانا فيأخذ له ثوابا فيعطى ثمنه من ذلك الحب أو التمر كما يكون السعر في البلد، فإن كان الذي تجب عليه الزكاة يشتري الثوب من عند غيره أو يعطي كراء النساج فلا بأس بذلك وهو جائز في بعض القول، وإن أعطى الثوب من عنده أو عمله بيده وحسب ذلك من زكاته أن ذلك جائز، ويروى أن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ قد فعل ذلك، وسواء كانت الزكاة من الحب أو التمر أو الورق، أشار بذلك على الفقير أو لم يشر عليه، أعلمه بذلك أو لم يعلمه إذا قبضه الفقير وصار إليه، وكذلك إنّ طحن من حبّ الزكاة أو خبزه وأطعمه الفقراء وابن السبيل فجائز ذلك كله، ولو كان في يوم العيد واشترى للفقير لحماً أو ضحية في يوم الأضحى جاز ذلك إنّ اشترى من عند غيره، وأما إنّ أعطاه من عنده وحسب ثمنه من زكاته فلا يجوز له ذلك على القول الذي نأخذ به، وأما فيما يروى عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ فهو جائز كان ذلك من عنده أو من عند غيره، وقول إنه لا يجوز من هذا كله شيء إلا أن يسلّم الزكاة للفقير كما وجبت ثم يفعل الفقير فيها بعد ذلك ما يشاء(1).
ويتلخص من هذا أن في المسألة ثلاثة أقوال:
أولها: عدم جواز إعطاء البديل مطلقاً.
______________________
1 ـ الشقصي ـ منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، ج5، ص190، ط وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان. وانظر كذلك بياناً لشرع للعلاّمة محمّد بن إبراهيم الكني، ج19، ص205ط، وزارة الثراث القومي والثقافة ـ سلطنة عمان. وكتاب المصنف للعلامة أبي بكر أحمد بن عبدالله الكندي، ح6، ص 248 ـ 249 ط وزارة التراث القومي والثقافة ـ سلطنة عمان.