ـ(91)ـ
جداً وهو تعلق بحبال الهوى وخبط العشواء لأنه أراد بالمهاجرين والأنصار من تحلّ له الصدقة لا من تحرم عليه، وكذا الجزية لا تصرف إلى جميع المهاجرين والأنصار بل إلى مصارفها المعروفين. فافهم.
فإن قلت إن قصة معاذ اجتهاد منه فلا حجة فيها، قلت: كان معاذ أعلم الناس بالحلال والحرام، وقد بيّن له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أرسله إلى اليمن ما يصنع به(1).
وقد أجاب بعين جوابه على الاعتراض الأخير الحافظ ابن حجر في الفتح(2).
وحمل بعضهم ما فعله معاذ على أنه كان واقعة حال لا دلالة فيها لاحتمال أن يكون علم بأهل المدينة حاجة لذلك، وقد قام الدليل على خلاف عمله ذلك، وأجاب عنه الإمام السالمي بأن الحاجة لا تبيح ما كان ممنوعاً، على أنه يمكنه أن يبيع الحب ويشتري الثياب فتندفع الحاجة(3).
وأنتم ترون أن محور الاستدلال لجواز دفع البدل عن الجنس في زكاته الأثر المروي عن معاذ (رضي الله عنه). وهو مذهب صحابي، والخلاف بين الأصوليين والفقهاء في حجّية مذهب الصحابي مشهور ولكن بما أن ما كان من معاذ لم يكن بعد عهد النبوة وإنما كان في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان ما يأخذه من الأثواب في مقابل الحبوب الواجبة في الزكاة يبعثه إلى المدينة المنورة حيث مستقر الرسول ـ الله عليه وآله وسلم ـ لا يخامر العقل شك في أنّه عليه أفضل الصلاة والسلام كان على علم بصنيعه، وهذا يعطي الدليل دفعة من القوة لا يستهان بها، كيف وعند علماء الحديث أن قول الصحابي: كنا نؤمر بكذا أو ننهى عن كذا يعطي حكم الرفع لأنّ قوله هذا يدل على أن الأمر والنهي المعنيين قد كانا في عهد النبوة حيث يتلقى الكلّ الأوامر والنواهي التشريعية عنه صلوات الله وسلامة عليه، غير أن انقطاع السند بين طاوس ومعاذ يوهي حجية هذا الأثر، أمّا ما أورده الغمام البخاري إثره من الروايات الصحيحة لعضد ما استدل به عليه فإن دلالتها على ذلك أوهى من
______________________
1 ـ العيني، عمدة القاريء، ج9، ص5.
2 ـ فتح الباريء، ج3، ص313.
3 ـ معرج الآمال ج16، ص213.