ـ(84)ـ
الصلاة.
ويلحظ أن الزكاة في الإسلام لم تُوكل إلى ضمائر الأغنياء فتتفاوت قلّة وكثرة بقدر ما في نفوسهم من قوة الدوافع على السخاء أو ضعفها، بل بيّن الشارع مقاديرها ليتساوى الناس كلّهم فيها، ولا يكون بينهم تفاوت إلا بقدر تفاوتهم في الأملاك التي فرضت فيها، كما يلحظ أن الأصناف التي أجمعت الأمّة على تعلق حق الزكاة بها هي من صنوف المال الذي تتوقف عليه ضرورات حياة الإنسان من أنواع الحبوب المدخرة المقتاتة والأنعام والتجارة، والنقدين اللذين هما أهم وسيلة لتبادل منافع الحياة كما أنهما المعيار لقيم الأشياء.
وباستقراء ذلك يتبين أنّه يتنازع فرضية الزكاة حقّان، حقّ رباني وحقّ إنساني، فالحقّ الرباني هو حقّ التعبّد الذي هو صلة بين العباد وربهم، يتميز بحسن أدائه لوجه الله: الطائع من العاصي، ومن هذه الناحية لا فرق بين الزكاة، وبين سائر العبادات كالصلاة والصيام والحج.
وأما الحقّ الإنساني فهو عون الأقوياء للضعفاء على القيام بمطالب العيش ولوازم الحياة، وما يستتبعه من تكافل الاُمة، وتراص صفوفها، وشيوع المودة بينها، وانحسار البغضاء عنها، وقد تتفاوت أنظار الفقهاء في الأصل الذي يبنون عليه اجتهادهم في فروع مسائل الزكاة الجزئية من هذين الأصلين، ولذلك يختلفون تسامحاً وتشدّداُ في بعض المسائل الفرعية من هذا الباب كما سيتضح ذلك إن شاء الله من خلال تعرضنا لأقرب المسائل شبهاً بموضوع البحث، فإنّ من راعى الحق الإلهي أحجم عن التوسع لأنه عدّ الزكاة كالصلاة والصيام في وجوب الالتزام فيها بقيود الأدلة الشرعية النصية، ومن راعى الحق الإنساني توسع في النظر في حدود مصلحة الفقراء وسائر المستحقين للزكاة نظراً إلى أنها شرعت من أجل سدّ خلتهم وقضاء مأربهم في الحياة.