ـ(85)ـ
إخراج الزكاة من غير جنس المزكّى:
لا خلاف بين الأمة في أنّ الأصل في إخراج الزكاة أن يكون المخرج من جنس ما يزكي، اللهم إلاّ فيما دون الخمس والعشرين من الإبل حيث تدفع شاة عن كلّ خمس منها، فإن بلغت خمساً وعشرين وجبت فيها بنت مخاض وكذلك البقر عند من يجعل حكمها كالإبل في الزكاة، وإنما اختلفت الأمة في العدول عن هذا الأصل بحيث يكون الثمن بديلا عن العين الواجب أداؤها بالنص، وهذا الخلاف إنما يعود إلى اختلاف الأنظار في ترجيح أحد الأصلين اللذين أشرنا إليهما من قبل على الآخر، فمن ترجح عنده جانب التعبد على جانب المصلحة شدّد في المسألة وألزم أن يكون المدفوع من جنس المال الواجبة زكاته، كما يتقيد في أداء الصلاة بمواقيتها وعدد ركعاتها وسائر ما فرض فيها من قول وعمل، وكما يتقيد في الصيام بزمنه المحدود وأحكامه المشروعة، وكما يتقيد في الحج بمشاعره المعلومة وسائر أحكامه المرسومة، كيف والمال نفسه إنما هو مال الله، ولئن أضيف إلى من أورثه الله إياه فليست تلك الإضافة إلاّ مجازاً، إذ غاية ما في ذلك أن الإنسان مستخلف فيه ومؤتمن عليه، قال تعالى [وآتوهم من مال الله الذي آتاكم](1). وقال: [وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه](2). ولئن كان الشارع الحكيم بيّن للناس كيفية هذا الإنفاق، فإن التقيد بما بينه أمر لا مناص منه، ومن ترجح عنده جانب المصلحة التي من أجلها شرعت الزكاة ورأى أنّها تتحقّق بدفع البديل عن الجنس كما تتحقّق بدفعها من الجنس نفسه تسامح في إعطاء البدل عن الجنس لأن الغاية التي شرعت من أجلها تتحقّق بهذا العطاء سواء روعي في ذلك جانب المعطي، وهو تطهير نفسه من رجس الشح، وتخليصها من آثار حب المال،
______________________
1 ـ النور: 33.
2 ـ الحديد: 7.