ـ(83)ـ
اللذين تؤججهما مشاهدته للتباين الكبير بين وضعه ووضع الغني المستأثر بالثروات الذي يتقلّب في أعطاف النعيم غير مبال بصيحات أولي المسغبة التي تصعدها حاجتهم الملحة إلى ضرورات الحياة، إلا أنّه عندما تردم هذه الهوة السحيقة بالزكاة التي تجسد المشاركة المالية الاجتماعية بين طبقتي الأغنياء والفقراء يتلاشى ما في نفوس الفقراء من حقد وكراهية لطبقة الأغنياء فلا تلبث قلوبهم أن تفيض بالمودة لهم وألسنتهم أن تلهج بالثناء عليهم والدعاء لهم، وباجتماع هاتين الطبقتين على كلمة سوآء يجتمع الشملُ، وتتآلف القلوب، وتتوحّد المشاعر والأحاسيس، وينعم المجتمع بأسره بالهدوء والاستقرار، والراحة السكينة، والرحمة والمودة، ويتجسد فيه معنى قول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "ترى المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"،(1). وقوله "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضُهُ بعضاً"(2).
ولئن كان الإنفاق في جميع وجوه الخير وسبل الإحسان مطلباً من مطالب الإسلام حضّت عليه آيات جمّة من الكتاب العزيز، وتظافرت على العناية به أحاديث الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، فإن الزكاة ـ وهي على رأس ضروب الإنفاق المأمور به ـ ركن من أركان هذا الدين التي يقوم عليها صرحه ويشمخ بها بنيانه، كما نصّ على ذلك حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: "بني الإسلام على خمس"، ويؤكده اقترانها في الآي القرآني بأهم ركن عملي من أركانه وهو
______________________
1 ـ روى بنحوه، البخاري عن طريق النعمان بن بشير في كتاب الأدب، الباب 27، رقمه 6011 ومسلم بعده طرق من طريق النعمان أيضاً في كتاب البر والصلة والآداب.
2 ـ رواه البخاري عن طريق أبي موسى في كتاب الأدب، الباب36، رقمه 6026، وفي كتاب المظالم والغصب، الباب5، رقمه 2446، ومن نفس طريق أبي موسى رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب.