ـ(82)ـ
ومن أصول دلالات لفظها تتبين الحكمة الربانية في مشروعيتها، فهي تحقّق النماء والطهارة، وتعود فائدتها على معطيها وآخذها وعلى مجتمعهما.
أما معطيها فإنّه يستفيد بها طهارة نفسه ونماء فضائلها، لأنها تخلّصه من حب الأثرة والاستبداد بالمال، والشهوة المالية الجامحة التي لا تلبث عندما تستحكم في النفس أن تسيطر على أحاسيسها ومشاعرها، وتستولي على جميع تصرفاتها وأعمالها، حتّى يتحوّل الإنسان إلى سبعٍ ضارٍ، لا يبالي بما يأتي به من الإجرام في سبيل إشباع هذه الشهوة المسعورة. وما جرائم قطاع الطرق والعصابات الإرهابية التي تشيع الذعر وتهدّد الأمن إلاّ نتائج استحكام شهوة المال في الأنفس، ولا تقف خطورتها عند حدّ، بل كثيراً ما تؤدي إلى نضوب العواطف وجفاف المشاعر، حتّى لا تراعي حرمة للحمة القرابة والنسب، فكم سمعنا باغتيال ولد لوالده، وعدوان قريب على قربته طمعاً في الاستئثار بما في أيديهم من المال. وما من علاج لهذا الداء أنجع وأجدى من تربية النفس على إنفاق المال فيما يعود بالخير والإحسان على الأمة. ونجد في نظام الزكاة المشروعة في الإسلام المرهم النافع والمبضع المستأصل لهذا الداء، وبتعود الإنسان إيتاءها تتفجر في نفسه مشاعر الرحمة، وتغمرها عواطف الإحسان، فلا يشعر بهدوء بال ولا استقرار نفسي مع تصاعد أناّت الفقراء والبؤساء، حتّى يفيض عليهم من صلاته ويغمرهم بشفقته وحنانه. وهذا هو ما أشار إليه الحق تعالى في قوله: [خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكّيهم بها](1).
وأما آخذها فإنها ـ مع دفعها لخاصته وسدّها لعوزه، وتمكّنه بها من مقاومة لأواء الحياة، ومواجهة عسر مطالبها ـ تطفيء في نفسه سعير الحقد ولهيب الحسد
______________________
1 ـ التوبة: 103.