ـ(69)ـ
تذكّرون. تنزيل من ربّ العالمين. ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين](1).
وهذه البيانات التي يقدمها الدين عن نفسه تدلنا على أن ثمة فرقاً واختلافاً بين الدين والفكر الديني، لأن الفكر الديني وإن اتخذ من الدين منطلقاً وأساساً في ما يريد تبنيه من أفكار ومفاهيم إلا أنه لا يعدو أن يكون قراءة بشرية للدين قابلة لأن تصيب حيناً وتخطىء أحياناً أخرى، وأن تعي مضمون الدين مرة وتنحرف عنه مرة أخرى. وهذا الأمر يجعل الفكر الديني لا يرقى إلى مستوى الدين إلا بمقدار ما يصيب من حقيقة الدين وواقعيته.
ولقد كنا بحاجة إلى التنبيه على هذا الفرق بين الدين والفكر الديني لشدة الارتباط والتداخل بينهما مما يجعل مسألة التفريق بينهما في كثير من الأحيان مسألة معقدة لا يتيسر خلالها التمييز بين ما هو من الدين وما هو فهم بشري للدين. وهذا ما يؤكده التحسس الشديد من قبل بعض المتدينين للحديث عن إشكالية الثابت والمتغير، على أساس الاعتقاد بأن الكثير من الأفكار التي يجري الحديث عن قابليتها للتغيير أو التطوير هي أفكار من صميم الدين لا تقبل النقاش والمجادلة، ولا يتورع البعض عن وصم كل من أراد مناقشة تلك الأفكار بالخروج عن الدين ومحاولة إفساد عقائد المسلمين.
في الوقت الذي ينبغي أن يعي هؤلاء الأشخاص أن القول بوجود متغيرات في الدين أو في الشريعة لا يعني بحال من الأحوال أن لا ثابت في الدين أو الشريعة، لأن الدين إذا ما فسرناه بمجموع التعاليم والأحكام والعقائد والحقائق الوجودية التي يأتي بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل الله سبحانه وتعالى مباشرة بواسطة
______________________
1 ـ الحاقة: 40 ـ 47.