ـ(54)ـ
خاصة، وان هذا القائل أثبت حجية السنة بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) عن الذنب، والخطأ، والسهو.
وذكر الشاطبي في الموافقات "أن الحديث إما وحي من الله صرف، وإما اجتهاد من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)معتبر بوحي صحيح من كتاب، أو سنة، وعلى كلا التقديرين لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) [وما ينطق عن الهوى أن هو إلاّ وحي يوحى](1). وإذ فرّع على القول بجواز الخطأ في حقه، فلا يقر عليه البتة، فلابد من الرجوع إلى الصواب"(2). أي إنّ الله سبحانه لا يقر النبي على اجتهاده الخاطيء، فيرجعه إلى الصواب قبل أن يعمل به.
وهذا رأي لا يكاد يستقر على وجه، فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)إذا كان لا ينطق عن الهوى، وان هو إلاّ وحي يوحى، فيكون كلّ حديثه وحي يوحى، فلا وجه لتقسيم السنة إلى الوحي، والاجتهاد، وما معنى الاجتهاد إذا كان الصواب فيه أمر حتمي؟
وما هي حاجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)إلى الاجتهاد الذي يؤدي إلى حكم، قد يوافق الواقع، وقد يخالفه، وهو قادر على تحصيل الحكم الواقعي من الوحي مباشرة؟
إنّ فكرة اجتهاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)التي درج عليها أصوليو المذاهب الأربعة تحتاج إلى بحث مستفيض وفرصة كافية، لأنها من نقاط الاختلاف المهمة بين المدرستين الاصوليتين: المدرسة الإمامية، ومدرسة المذاهب الأربعة.

السنة النبوية من منظار علماء المذاهب الأربعة:
أفاض علماء المذاهب الأربعة في دراسة السنة النبوية بوصفها المصدر الثاني عن مصادر التشريع الإسلامي، فبحثوا في المعنى اللغوي للسنة. ثم المعنى
______________________
1 ـ النجم 3 ـ 4.
2 ـ الشاطبي، أبو إسحاق، الموافقات 4:21، دار المعرفة، بيروت.