ـ(53)ـ
والسنة وجب أن يدفع، ويعلم أنّه ـ أي الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يقله، والحاصل من الجميع صحة اعتبار الحديث بموافقة القرآن، وعدم مخالفته"، وهذا تهافت واضح. فان التعليق الأخير هو عين مضمون فكرة عرض السنة على القرآن التي اعتبر القول بها ميل عن الصراط المستقيم.
ومن الراجح أن منكري حجية السنة تمسكوا بهذا الحديث كدليل على مدّعاهم دون التفاتٍ منهم إلى أنّه لا ينهض دليلاً على ذلك البتة، وبمرور الزمن أصبح علامة يعرف بها هؤلاء بحيث جعلت المدافعين عن حجية السنة يغفلون عن عدم دلالة الحديث على إنكار حجية السنة، ويقعون في نفس المفارقة العلمية التي وقع فيها المنكرون.
لا يقال: إنّ الحديث إذا كان له، أو عليه شاهد من الكتاب يؤيده، أو ينفيه، فحينئذ يكون الشاهد القرآني هو الحجة لا الحديث المشهود له أو عليه، وحينئذ لا معنى لشهادة القرآن إلاّ إلغاء السنة عملياً، فأنه يقال: أنّ ذلك الشاهد القرآني قد لا يكون جلياً واضحاً في نفسه، فيحتاج إلى إشارة من السنة تدل عليه، وتشير إليه، وكم من الأمور التي تقع في امتداد القرآن لكننا لا يمكننا أن نكتشفها، فتأتي السنة لتكشف عنها، وتقول إنّ هذا مما يوافق القرآن، فنأخذ به.
وفي خاتمة البحث عن حجية السنة تجدر الإشارة إلى أن السنة ـ وحيث ثبت كونها جزءاً من الوحي والتشريع ـ لا تتناسب مع وصف الاجتهاد، وما اعتقده بعضهم من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يجتهد أحياناً، فإن الاجتهاد لا يمتنع فيه السهو والخطأ، ومن غير الممكن أن يقع الخطأ، والسهو في سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يصح قول بعضهم: "إنّ اجتهاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)في الأحكام أساسه القرآن، وروح التشريع"(1).
______________________
1 ـ الزحيلي، د. وهبة. المصدر السابق: 463.