ـ(52)ـ
فلم أقله، وكيف أخالف كتاب الله، وبه هداني"(1). ونسب إلى الشافعي أنّه قال عن هذا الحديث "ما رواه أحد ممن يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير"(2).
وردّوا هذا الحديث بأنه موضوع مختلق تارة، وبأنه عرض على الكتاب فأمر الكتاب بالأخذ بسنة الرسول، وطرح هذا الحديث تارة أخرى.
ومعلوم أن فكرة عرض الأحاديث على القرآن لتمييز السليم منها عن السقيم هي مما يتبناه علماء الأصول الاماميون في مجالات حل التعارض بين الأدلة الشرعية، ولديهم في ذلك روايات كثيرة صحيحة تدل على الأخذ بما وافق كتاب الله، وضرب ما خالفه عرض الجدار لأنه زخرف.
وهكذا فإن فكرة العرض على القرآن لا تنسف حجية السنة، ولا ضرورة في نسبتها إلى الخوارج، والزنادقة ولو أنها تنسف حجية السنة لنسف الحديث المذكور نفسه، ولأصبح احتجاج الخوارج به لغواً فكما إن إثبات السنة بالسنة أمر دائر، فكذلك إبطال السنة بالسنة نفسها أمر باطل.
ولا شك أنّ عدم تواصل المدرستين الاصولتين السنية والإمامية هو العامل المسؤول عن ظهور مثل هذه المفارقة العلمية بشكل يبين مدى الحاجة إلى هذا التواصل العلمي.
ويبدو أنّ الشاطبي قد فهم ـ كغيره من أصوليي السنة ـ من الحديث المذكور: أن السنة تصبح فيه راجعة إلى الكتاب فعلّق فائلاً: "ولقد ضلت بهذه الطريقة طوائف من المتأخرين … فالقول بها والميل إليها ميل عن الصراط المستقيم"(3).
لكن بعد أربع صفحات عاد فقال: "وإذا كان الحديث مخالفا يكذبه القرآن،
______________________
1 ـ الشوكاني، محمّد بن علي، إرشاد الفحول: 33.
2 ـ الزحيلي، د. وهبة، المصدر السابق: 458.
3 ـ الشاطبي، أبو إسحاق. الموافقات 4:19.