ـ(51)ـ
والفعل، والتقرير جزء من الرسالة متوقف على إثبات العصمة عن الخطأ، والذنب، والسهو. وقد ثبتت بإجماع المسلمين عليها في الجملة، وعلّق السيد محمّد تقي الحكيم على هذا الدليل بأنه: "من أمتن ما يمكن أن يذكر من الأدلة على حجية السنة، وإنكاره مساوق لإنكار النبوة من وجهة عقلية، إذ مع إمكان صدور المعصية منه، أو الخطأ في التبليغ، أو السهو، أو الغفلة لا يمكن الوثوق، أو القطع بما يدعي تأديته عن الله عز وجل لاحتمال العصيان، أو السهو، أو الغفلة، أو الخطأ منه، ولا مدفع لهذا الاحتمال"(1).
رغم أنه أشكل على هذا الدليل ثم رد الأشكال بمحاولة لا تخلو من الصعوبة، والتعقيد بصورة تثير التساؤل عن السر الذي جعله يصف هذا الدليل بأنه أمتن الأدلة، بدلاً من الدليل القرآني الذي لا يحتاج إلى هذه العناية الفكرية الواسعة، وواصل أصوليو المذاهب الأربعة هذا البحث فأخذوا يناقشون أدلة المنكرين لحجية السنة القائلة بأن كتاب الله وصف نفسه بأنه تبيان لكل شيء، وأن القرآن لو احتاج إلى السنة لما كان تبياناً لكل شيء، ولكان مفرّطاً، ثم إن الله سبحانه تكفل بحفظ القرآن، ولم يتكفل بحفظ السنة، وردّوا هذه الأدلة بأن القرآن أرشد إلى السنة، وحينئذ تكون بيانات السنة بمنزلة البيانات القرآنية، ويكون القرآن تبياناً لكل شيء، ولو لا السنة، لا يكون القرآن كذلك، بدلالة الوجدان، لأن أكثر الشريعة مأخوذ من السنة كأجزاء الفرائض، وشرائطها، وسننها، ومبطلاتها، وموانعها، وأكثر أبواب الفقه في المعاملات، والإيقاعات(2).
وفي هذا السياق ذكروا أن الزنادقة، والخوارج وضعوا حديثاً يقول: "ما آتاكم عني، فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق، كتاب الله، فأنا قلته، وإن خالف،
______________________
1 ـ المصدر نفسه: 14.
2 ـ الزحيلي، د. وهبة، المصدر السابق: 458 ـ 460.