ـ(42)ـ
إنّ عوازم الأمور أفضلها وإن محدثاتها شرورها"(1).
والسنة بهذا المعنى هي ما كان له أصل ثابت في الشريعة كتابا أو سنة، والبدعة ما ليس له أصل في الشريعة رأساً. وقد عبرت عن البدعة في الحديث بالأمور المحدثة: "وإياكم ومحدثات الأمور"(2). وفي حديث عائشة عن النبي (عليه السلام): "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(3).
والبحث المستوفى بشأن السنة والبدعة يستدعي مقالا وقد ألقينا خطابا بهذا الشأن في بعض المؤتمرات. وموجز الكلام أن المسلمين جميعا متفقون على الأخذ بالسنة ورفض البدعة، ولا خلاف بينهم في ذلك إطلاقاً بشكل كلي وإننا لا نجد مسلماً يعتقد جواز الأخذ بالبدعة، بدل السنة، إنما الخلاف في مصاديق السنة والبدعة، وهذا الخلاف قديم وعريق بين الأمة في بعض المسائل الفقهية المعروفة كالقصر والإتمام في عرفات، وتقديم الخطبة في صلاة العيد وغيرها.
وجاء ابن تيمية في القرن الثامن فهجم على أتباع المذاهب الإسلاميّة جمعاء هجوماً عنيفا بشأن التبرك بآثار النبي والأولياء والتوسل بهم، وبناء القبب على قبورهم، وشدّ الرحال إليها، وما إلى ذلك. وقامت القيامة ضده من قبل علماء المذاهب وأرباب الطرق شيعة وسنة، وتبادلت الكتب والصحف بينهم وبين ابن تيميه وتلميذه ابن القيم وأبتاعهما، ولكن الخصام خف ولم يدم وكاد أن يزول ولكنه اشتد من جديد بعد دعوة محمّد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر، ولا يزال البحث بين السلفية الّذين يدّعون متابعة السلف الصالح من هذه الأمة أتباع ابن عبد الوهاب وبين غيرهم وهم جل الأمة يشتد، ويرتفع، ولاسيما بعدما وقفت السلطة إلى جانب هذه الدعوة. واختلطت دواعي السياسة بفكرة التجديد الديني
______________________
1 ـ نهج البلاغة خطبه : 145.
2 ـ جامع العلوم والحكم: 335.
3 ـ نفس المصدر : 81.