ـ(37)ـ
ومعلوم أن هذه الطرق تختلف قوة "وضعفا وصحة وسقما بحسب الرواة، وبحسب ما عند المذاهب الفقهية ونقاد الحديث من معايير القبول والردّ. والفارق الرئيسي بين السنّة والشيعة في هذا المجال، أي في طريق السنة، أن الشيعة تعتمد وتستند في الأغلب الأكثر على ما صحّت لديها من السنّة عن طريق الأئمة من آل البيت (عليهم السلام)، وإخوانهم من أهل السنة يعتمدون غالباً على ما صحّت لديهم عن طريق الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ . هذا هو الفرق الرئيسي بين الطائفتين، فالاختلاف اصطلاحاً "صغروي لا كبروي" وفي "في المصداق دون الكلي".
هذا مع أنّ علماء الفريقين لا يأبون الأخذ بما ثبت موثوقا به عن طريق الفريق الآخر. وهذا ما نصّ عليه فقهاء الإمامية ويعملون به في فتاواهم، إذا ثبت حكم بطرق موثوق بها من غير طريق أهل البيت، فالمعيار عندهم وأظن عند غيرهم أيضا هو الوثوق بصدور السنة عن النبي (عليه السلام) من أي طريق اتفق.
ولكل من الطائفتين فيما اعتبروه طريقاً للسنّة دليل من نفس السنة، فأهل السنة يستندون بما تحقق عندهم من عدالة الصحابة وصحة الأخذ عنهم، والإمامية يعتمدون على ما تحقق لديهم من عصمة الأئمة ووجوب الأخذ استنادا إلى إمامتهم، ومن أهمها الحديث المعروف بـ"حديث الثقلين" المروي بطرق شتى في كتب الحديث والسيرة عن جماعة من الصحابة عن النبي (عليه السلام) أنّه قال: "أني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي" وقد جمعت طرق هذا الحديث بشتى ألفاظة في رسالة "حديث الثقلين" نشرت مع تقديم لهذا العبد.
هذا مع الأعتراف بأن هذا الحديث جاء في كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس ـ رضي الله عنه ـ مرسلا "انه بلغه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما أمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبية"(1). وقد اشتهر بهذا
______________________
1 ـ الموطأ ط كتاب الشعب القاهرة / 560.