ـ(182)ـ
وخطورته في المجتمع ككل.

للقاضي صك مفتوح في الإسلام:
تعتبر رواتب القضاة في الإسلام أعلى رواتب يتقاضاها موظف في الدولة الإسلاميّة، فلم يحدد الإسلام لهم مرتباً معيناً، بل لهم صك مفتوح كي لا تلجأهم الحاجة، والفاقة إلى أخذ الرشوة من المتخاصمين، فتختل الأحكام القضائية، وتختفي العدالة، فعن الإمام علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ثم أكثر تعاهد أمره ـ أي القاضي ـ وقضاياه، وأبسط عليه من البذل ما يستغني به عن الطمع، وتقل حاجته إلى الناس، واجعل له منك منزلة لا يطمع فيها غيره، حتّى يأمن من اغتيال الرجال أياه عنك، ولا يحابي أحداً للرجاء، ولا يصانعه لاستجلاب حسن الثناء، أحسن توقيره في مجلسك، وقربه منك"(1).
فنحن نرى في هذا الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله) سمو مكانة القاضي في النظام الإسلامي ومكانته الرفيعة، فليس هناك رتبة في السلطة الإسلاميّة أرفع من رتبة القاضي إلاّ رتبة الإمام، وولي الأمر بحيث لا يلجأ القاضي إلى أحد الوزراء، أو القادة كي يقربوه من الحاكم الأعلى للمسلمين، أو يمدحوه لديه حتّى لا يصبح أداة طيعة في أيدي هؤلاء المسؤولين كي يحكم لصالحهم إنّ حدثت لهم قضية لديه بل هو أرفع، وأسمى منهم جميعاً، وأقرب شخص لدى الإمام، وهذه هي عظمة وسمو النظام القضائي في الإسلام، فقد حذر الإسلام القاضي من أخذ الرشوة وقبول الهدية، كذلك، وسد عليه الطريق أن سولت له نفسه يوما ما في ذلك الأمر، فعن جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "من أكل السُحتِ الرشوة في الحكم"(2). ففد اعتبر
______________________
1 ـ دعائم الإسلام ـ ج 1ـ ص 360.
2 ـ المصدر السابق ص 360.