ـ(178)ـ
إذا فالقاضي الذي يحكم بكتاب الله، وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) وبالروايات الصحيحة المنقولة عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة الأخيار فهو قاض شرعي يعتبر بمثابة القاضي الذي نصبه الإمام، فحكمه نافذ وصحيح، وهذا الأمر يشمل الفقيه المجتهد القادر على معرفة أحكام الله تعالى، فهو الحاكم والقاضي وحتى أن كان غير مجتهد، فيجب أن يكون مطلعاً على أحكام الله، ومخولاً من قبل الفقيه المجتهد.

حرية اختيار القضاة واستقلاليتهم:
انفرد الإسلام في قضية حرية اختيار القاضي من قبل المتخاصمين، فإن للمدعي الحق أن يعين له قاضياً للنظر في الخصومة وليست للسلطة صلاحية التدخل في أمر إجبار المدعي أن يترافع إلى محكمة، وقاض معين كما هو المعمول عليه الآن في معظم دول العالم وهذا الأمر يعتبر قمة التطور القضائي، فقد اقره الإسلام قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، فعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال: "دخلت المسجد فإذا برجلين من الأنصار يريدان أن يختصما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال أحدهما لصاحبه: هلم نختصم إلى علي، فجزعت من قوله، فنظر إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال: انطلق واقض بينهما ! قلت: وكيف اقضي بحضرتك يا رسول الله ؟ قال: نعم فافعل، فانطلقت فقضيت بينهما، فما رفع إلي قضاء بعد ذلك اليوم إلاّ وضح لي"(1). فنحن إذا تمعنا في هذا النص الشريف نجد أن الإسلام كان ينظر في الدرجة الأولى إلى مصلحة المترافعين، وضرورة إعطائهم الحرية الكافية
______________________
1 ـ دعائم الإسلام : ج 2 ص 529.