ـ(13)ـ
عرض لبعض الألفاظ التي كانت متداولة مأنوسة معروفة المعاني في عصر النزول أن صارت غريبة بعد ذلك في استعمال العامة بعيدة عن فهمهم لمعانيها. ولا زال ذلك يزداد يوماً فيوماً حتى سرى داؤه إلى بعض الخواص(1).
إذن فيرجع في تفسير مفردات ألفاظه الشريفة إلى ما يحصل به الاطمئنان والوثوق من مزاولة علم اللغة العربية والتدبر في موارد استعمالها مما يعرف انه من كلام العرب ولغتهم. وللتدبر في أسلوب القرآن الكريم وموارد استعماله وقراءتها دخلٌ كبيرٌ في ذلك. وأما محض الركون إلى آحاد اللغويين تعبداً بكلامهم وتقليدا لآرائهم فذاك مما لامساغ له، فإنّ الأغلب أو الغالب ممّا يستندون إليه في أقوالهم ما هو إلاّّ الاعتماد على ما يحصلون عليه بحسب أفهامهم وتتبعهم لموارد الاستعمال مع الخلط للحقيقة بالمجاز، وعدم التثبت بالقرائن ومزايا الاستعمال.
ومن شواهد ذلك قول جماعة من المفسرين في تفسير قوله تعالى: [يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي](2). قالوا أي مميتك. وذلك أخذا بقول اللغويين حيث جعلوا الإماتة في معنى التوفي، وكأنهم لم يمنعوا النظر إلى مادة التوفي واشتقاقها، ومحاورات القرآن الكريم والقدر الجامع بينها حتّى يضح لهم أن معناه الأخذ والاستيفاء وهو يتحقق بالإماتة وبالنوم وبالأخذ من الأرض وعالم البشر إلى عالم السماء.
هذا، ولا يخفى أنّ القرآن ناطق بأنّ المسيح [وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم ورفعه الله إليه](3). وأن عقيدة المسلمين كإجماعهم على أنّه لم يمت بل رفع إلى السماء إلى أن ينزل في آخر الزمان، ومن هنا التجأ بعض من فسّر التوفي بالإماتة إلى أن يفسّر قوله تعالى: [يا عيسى إني متوفيك](4). أي مميتك في وقتك
______________________
1 ـ راجع آلاء الرحمن للامام البلاغي: 32 ـ 35.
2 ـ آل عمران: 55.
3 ـ "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" النساء: 157.
4 ـ آل عمران: 55.