ـ(118)ـ
وقت القصاص فيما دون النفس
لا يجوز القصاص في الطرف إلاّ بعد اندمال الجرح سواء طلب المجني عليه أو لم يطلب مخافة أن يفضي ذلك إلى إتلاف النفس بالسراية، لأنّ الجرح إذا سرى إلى النفس يصير قتلاً فيكون المجني عليه قد استوفى غير حقّه، وبهذا قال الإماميّة والحنفيّة والحنابلة والمالكيّة والزيديّة(1).
واستدلّوا بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) "لا يستقاد من الجراحة حتّى تبرأ"(2).
وقال الشافعية والظاهرية: إذا طلب المجنيّ عليه القصاص قبل اندمال جرحه أقدنا له في الحال، لأن القصاص من الطرف لا يسقط بالسراية فوجب أن يملكه في الحال(3).
وما ذهب إليه غير الشافعية والظاهرية هو الراجح، وهو أن القصاص لا يجوز في الطرف إلاّ بعد أن يبرأ الجرح، لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى أن يستقاد من الجروح حتّى يبرأ المجروح. وأنّ الجرح قبل اندماله لا يدرى أقتل هو أم ليس بقتل؟ فينبغي أن ننتظر حتّى نعرف حكمه، فان بريء اقتص من الجاني في طرفه، وإن سرى الجرح إلى النفس ومات المجنيّ عليه اقتصّ من الجاني في نفسه، وما استدل به الشافعية والظاهرية لا يدل على جواز القصاص في الطرف قبل اندمال الجرح وإنما يدل على تحريم القصاص قبل الاندمال لأنّ لفظ (ثم) يقتضي الترتيب، فيكون النهي الواقع بعدها ناسخاً للإذن الواقع قبلها.
استيفاء القصاص فيما دون النفس:
يستوفي القصاص فيما دون النفس من كان عالماً بذلك كالجرّاحين، فان لم
______________________
1 ـ انظر: شرائع الإسلام: 4: 235، وبدائع الضائع: 7: 310 ـ 311، والمغني: 9: 446 ـ 447، وبداية المجتهد: 2 ـ 444، والبحر الزخّار: 5: 238.
2 ـ رواه الدار قطني.
3 ـ الأم: 6: 47، والمحلّى: 11 ـ 43.